وصف الكتاب:
الرواية تتحدث بداية عن الشخصية الأساسية فيها وهي إعلامية ومعها أحد المقاتلين، فقدا خلال المقاومة البطولية ضد العدوان التركي على عفرين وانقطعت أخبارهما عن المحيط، وأعلن عن استشهادها في قرية علبيسكا في عفرين، وأقيمت مراسم عزاء تليق بها، وعثر عليهما بعد ثمانية وعشرين يوماً، وفي الصفحات الأولى من الرواية تحملنا الكاتبة إلى تلك الحالة المتناقضة التي تختلج في صدر بطلتها وهي تعلم أن مراسم عزاء قد أقيمت لها وهي على قيد الحياة في أحد المشافي: “أدهشني ما سردوه لي عن خبر استشهادي، وأنا على سريري الأبيض في المشفى الذي لم تكن تفوح منه إلا رائحة الأدوية والحقن المقيته”. وتصف ذهابها إلى المنطقة وشعورها بضرورة نقل الحقيقة فتقول: “التي توجهت ليها مع ثلاثة من رفاقي لأوثق الأحداث عن الحرب الدائرة هناك، كجزء من الواجب والعمل الذي سخرت حياتي لأجله، فقد أصبت بجراح في طرفي السفلي الأيمن، كما فقدت ظفيرتي التي كنت أهتم بها كرعاية واهتمام أمق برضيعها”. هكذا هي الفتاة العفرينية التي تحررت من عتق التقاليد البالية، وضمت يدها على يد شقيقها ووالدها وزوجها وحبيبها، وقاتلت ونقلت الأحداث للعالم وقدمت الإسعافات للمصابين، وبات حلمها النصر أو الشهادة فقط، وكان هذا حال بطلتنا التي طالما حلمت أن ترى مراسم استشهادٍ لها، وتحققت المعجزة: “هي مفارقة عجيبة أن تكون شهيداً فقط باسمك، دون أن يعثروا على جثمانك، لكنني فكرت في ذلك الوقت بالوضع الذي ستؤول إليه أمي، لدى تلقيها نبأ استشهادي، كم تمنيت أن أكون موجودة في تلك اللحظة إلى جانبها لأخفف عنها بعضاً من الأوجاع والآلام التي تعتصر قلبها”. هي الأم الحانية والفتاة الثائرة التي تسمو إلى السماء بهامتها وتبقى تحني رأسها لعظمة أمها، وحتى وهي تنال الشهادة وهي أعظم القيم؛ إلا انها تتمنى أن تكون إلى جانب أمها فقط، لأنها وطنها وملاذها وجنتها، إنه عرفان بالجميل و بِرٌّ بالأم واعتراف بفضلها وقوة عزيمتها. تفاصيل جمة تنقلها “هيفا حسن” على لسان بطلتها، أنها تفاصيل شخصية لكنها تتحدث عن جوانب هامة في المجتمع الكردي، وعن الصحوة بعد السبات الطويل، عن تنامي الروح الوطنية وانبعاث الفجر الجديد مع حركة التحرر الكردستانية، وانضمام الشباب والشابات اليها، ومع تلك التفاصيل الكبيرة والأمور الجليلة لا تنسى “هيفا حسن” التفاصيل الصغيرة التي توردها بطلتها، فتلك التفاصيل الصغيرة انما تربط الأيام والأحداث بوثاق من الذكريات الجميلة وتسوق خلال ذلك بعضا من الجوانب الشخصية وتفاصيل يومية عن العادات والتقاليد والموروث الشعبي الأصيل كأصاله جبال وسهول الوطن: “غالباً ما كنا نجلس على بساط قماشي كنت انشره على العشب، تحت شجرة التوت المعمرة التي تناثرت بعض ثمارها البيضاء على الأرض بجوارنا، ونحتسي أكواب الشاي ونضحك كثيراً على بعض الأمور، على الرغم من شدة الآلام التي نقوم بتذكرها عن وطننا المغتصب”. إنه الوطن الحاضر دوماً، الحبيب والأم والمستقبل، لا يغيب عن أحاديث الأهل والاحبة، هكذا هو حبه المغروس في دم الاحرار والنبلاء الكرام، وفي عفرين كان للوطن حكايات للجمال النادر والطبيعة الخلابة كما لها من قصص البطولة والتضحية: “في أقصى الشمال السوري تربعت قريتنا، التي نهلت من مياه ينابيع وغدران عفرين وهواءها، وفيها ومنها كان أخي معصوم يحث الخطى كل يوم نحو وجهته المعروفة طيلة أيام السنة الى القرى المجاورة مثلما أفعل أنا الآن من أجل الدراسة” هي ذكريات الصبا تراود المرء فتحتفل بها روحه وتداعب ذاكرته، لكن الذاكرة تحمل الكثير من الوجع أيضاً، وكم من الوجع كابدته جريحة بشظايا طالت قدمها، وجرح صميمها ما لاقته من انعدام الأخلاق والمبادئ فيمن يحاول اغتصاب أرضها وبيتها وقتل أهلها وكم من ألم تحسُّ به وهي تصارع الموت وترى رفيقها شورش وهما يبحثان عن نقطة ماء تنقذهما: “اعتراني ذهول شديد حين قال لي إنه ربما أجد بعض من الماء في مبرد السيارة، وبالفعل توجهت من فوري إلى هناك، لأبحث عن مبردها أولاً، ثم عن بعض الماء فيه”. هكذا تنقل تلك التفاصيل بكل دقائقها وآلامها، وتلك المعاناة، وبذلك نرى أنفسنا مندفعين أكثر لننهل من تلك الأوراق ما تجود به الكاتبة وبطلتها من أخبار نقلت عن مقاومة سجلت مفردات أيامها في صدر التاريخ وخلدته.