وصف الكتاب:
ويأتي عقيل بقصص متنوعة الدلالة والمعنى، وباحثة في تفصيلات متغيرة في طريق الكائن البشري، ويتحقق ذلك من خلال شخصياته المنتقاة بعناية من الواقع، والتي يكسبها الغرابة ولحظة الانطلاق المغايرة في كل مرة. أما الحدث القصصي عند عقيل فيضع في كل مرة قدماً في القالب الواقعي، لكنه يقلع نحو الفانتازيا، إذ يكسبه صوتا خياليا يزيد من تأثيره على الذهن، ويصعد بالقارئ إلى عتبة جمالية، باعثة للتأمل، ومبتكرة لقوس من المشاعر التي تتحرك تبعا لصعود أو هبوط عاطفة النص. أما الفوتوغرافيا في تركيب الجمل، فتميل إلى تصدير صورة عامة للقصة دون الإكثار من الصورة الفنية داخل الجمل. فسرده لا يحمل إلا الوصف الثاقب للحدث، المتسم بالتسلسل والانسيابية، بلا انقطاعات، أو زيغ، عن فكرة القصة العامة. ويضع الكاتب تجاربه الذهنية المتباينة في 26 قصة ممتدة على 106 صفحات من القطع المتوسط، ومقسمة إلى عدة فصول، بلغة سردية سهلة، دون تعقيدات أو إبهام. كما تتصف تطورات الأحداث بالسرعة من خلال التركيز على الحديث الداخلي للشخصية، بالتناوب مع المسار المركز للحدث. وتتعرض قصص عقيل محمد لقلق الإنسان من المجهول وأوراق المستقبل المطوية على ذاتها، وتقدم الفقراء والمطحونين، والجائعين، والهاربين من سكاكين الحياة. كما تتناول أخبار الحرب، بما تتركه من نهايات مدمرة، وتفكك اجتماعي، وتيه للذات البشرية. ويُدخل القاص في مداره القصصي المفقودين في حروب العراق، وكذلك ذوو الأطراف المبتورة جراء الألغام وانفجارت الحافلات، ويسلط الضوء على أخبار اليائسين، ويلتقط الشخصيات الغريبة، المنسوجة من الواقع، لكنه يقوم بتقديمها بشكل فني مثير، بوساطة عدساته القصصية المحدبة. الألم كمعبئ للفراغات وفي قصة ”الألم“ يحرك عقيل آلة السينماتوغراف لترصد الجانب المعتم من حياة المرء، موحيا بتجربة مريرة مع الحزن والخيبة، حيت يستخدم الألم كمعبئ لفراغات الحياة المملة، وعلاج للوحدة الثقيلة على وعي المرء، فلا بد أن يكون المرء يحمل قبورا متعددة متراصة على طول عموده الفقري، تبعث له الإحساس القاتم بالحياة. يكتب القاص عقيل: ”يشك في أن روحها نزلت معها إلى القبر، لأن الشاهدة الرخامية التي نقش عليها اسمها لا تشعره بأي ألفة تجاهها، لا تفهم كلامه أو لا ترغب في الرد عليه. يمسح بيده على القبر البارد، يقد قميصه الناعم احتجاجا على خشونة القبر، يتساءل فيما إذا كان قبر زوجته هو الوحيد الخشن؟ يكاد يحس بأنه يتعامل معه بعدائية متعمدة“. بريد ذكي فيما يذهب القاص للمونولوج الإنساني، وإضفاء الغرابة على الحدث، في قصة ”هطول ميت“، بهدف تسليط إنارته على الشخصيات المنبوذة، المختلفة عن العادي، المصنفة على هامش الحياة، فيرفع صراخها ببريد ذكي، ورسائل متقنة التأثير، حيث يكتب: ”لم يكترث أحد لغيابي طبعا، ولا حتى الرصيف الذي كنت أفترشه كل يوم لأصبغ أحذية المارة. لقد خرجت من جسدي وأنا أبكي، كنت أشاهد نفسي، ها أنذا أحتضن صورة أمي التي رحلت قبل ثلاثين عاما ورأسي معبأ بالوجوه والذكريات، أبدو كالنائم على المنضدة“.