وصف الكتاب:
شغلني ما آل إليه وضع اللغة العربية في الوطن العربي منذ مدة بعيدة، وازداد انشغالي بالموضوع يوم أن برمجت إحدى الفضائيات موضوعا للنقاش يتعلق بمدى صلاحية اللغة العربية لتدريس العلوم، وكان النقاش بين أستاذين جامعيين عربيين، الأول يدعو إلى تدريس المواد العلمية باللغة الإنكليزية ، والثاني يدعو إلى تعريب التعليم. وكان الأمر بالنسبة إلي شبيها بالإحساس بجرح عميق لم يندمل، أو بمرض مزمن يئس صاحبه من الشفاء وألزمه علاجا دائما يلازمه طوال حياته إذا ما أراد المحافظة على توازنه الصحي ولا يتعرض للمضاعفات الجانبية كلما حاول القيام بممارسات اعتاد عليها الأصحاء من أقرانه. وبلغ اهتمامي بالموضوع أشده عندما عقد المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر ندوة دولية بنزل الأوراسي يومي 25-26 فيفري 2009 حول وضع اللسان العربي في البلاد العربية، مما دفعني دون تردد إلى جمع شتات أفكار وملاحظات كنت دونتها من قبل حول معاناة اللغة العربية في الوطن العربي . وليس يسهل على المرء التطرق إلى موضوع كهذا بالنظر إلى تشعبه وإلى ما قد يثيره من حساسية لدى بعض الأطراف من جهة، وإلى ما يتطـلبه من جدية في البحث وجرأة في الطرح وموضوعية في كيفية المعالجة من جهة أخرى. ومع ذلك ، عزمت على ترتيب ومراجعة ما جمعت من معلومات حول الموضوع معتمدا على ما يجود به الواقع اللغوي في البلاد العربية من مادة للبحث وما يفرزه المجتمع الجزائري بشكل خاص، في مجال التعليم والإدارة والاقتصاد، مع الإشارة إلى خطورة الصراع الدائر بين النخب في دواليب السلطة وبين طبقات المجتمع. ذلك الصراع الظاهر الخفي الذي ما زالت تعاني اللغة العربية آثاره والذي يعكس التناقض الموجود بين التشريع النظري على المستوى الرسمي وبين الواقع المعيش الذي يفسر مظاهر تراجع اللغة العربية في شتى المجالات. قد لا يدرك الكثيرون منا مدى أهمية اللغة في حياة الشعوب كما لا يدركون أن حفظ اللغة وضمان استمراريتها يكون بقدر محافظتنا عليها كأفراد ناطقين بها. إن عدم إدراك هذا الأمر كان سببا في انقراض كثير من اللغات واللهجات في العالم ، وبانقراض تلك اللغات انقرضت وتلاشت معرفتنا بشعوبها وأقوامها وثقافتها.