وصف الكتاب:
إن ظاهرة الإجرام من أشد ظواهر السلوك الإنساني تعقيدًا، ومنها الجريمة المنظمة، حيث تمثل خطرًا حقيقيًّا يواجه الوجود البشري وحضارته وإنجازاته, لما تتسم به من استخدام وسائل غير مشروعة وغير مقيدة بقانون، وأصبحت أداةً لتحقيق مأرب وطموحات يعجز البعض عن تحقيقها بالوسائل العادية المشروعة. ومع التغيُّر الذي طرأ على المجتمع الدولي في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واتِّساع حرية التجارة الدولية، والثورة التكنولوجية في مجال المعلومات والاتِّصالات ووسائل النقل وما صاحبها من سهولة انتقال الأشخاص والأموال بين الدول، وأصبح فيها العالم عبارة عن قرية صغيرة، فقد تطورت الجريمة المنظمة مع الحياة، فأصبحت أكثر تعقيدًا، وأصبح الضرر أكبر وأضخم. وتتخذ الجريمة المنظمة عدة صورٍ يتعدى أثرها إقليم الدولة الواحدة، ولا تقتصر على دولة معينة، وإنما لتشمل عديدًا من الدول المختلفة، والتي تختلف صورها وأنماطها من دولة إلى أخرى، مثل الإرهاب والاتِّجار بالأشخاص والأعضاء البشرية وغسيل الأموال وغيرها، حيث إن هذه الجرائم لا تكون ضمن حدود الدولة الواحدة، بل تتخطى الحواجز والحدود جاعلةً من العالم مسرحًا واحدًا لأعمالها، فنرى التخطيطَ في دولة والتنفيذَ في أخرى والمنفذين في دولة ثالثة. والهدف الأساس للجريمة المنظمة هو تحقيق الربح. وترتيبًا على ذلك أصبحت هناك حالةٌ مُلِحَّةٌ وضروريةٌ ومبرراتٌ للتعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة بصورها المختلفة, وذلك لما تسببه من عبث في أمن الدول واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد استشعرت مختلف الدول خطر الجريمة المنظمة وخاصة الدول النامية التي تعاني من تدنِّي مستوى المعيشة، حيث أصبحت هذه الدول مركزًا للجماعات الإجرامية المنظمة، بسبب ضعف مواردها، وحاجتها إلى تطوير اقتصادها عن طريق الاستثمارات الأجنبية، كما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بتوظيف الأموال الطائلة التي تحققها في السيطرة على الاقتصاد أو على قطاع منه، وتخفي أنشطتها غير المشروعة بالاستعانة بذوي الخبرة في مختلف المجالات كالقانون والاقتصاد والمحاسبة وغيرها، ما يؤدي في النهاية إلى التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها، وبالأخص في الدول النامية.