وصف الكتاب:
فلا يزال القرآن الكريم محرابًا يؤمُّهُ الدارسون جادِّين في سَبْرِ أغواره، واكتناه أسرار ألفاظه وتراكيبه؛ فهو المعجزة الخالدة التي عجزت عنها عقول الفصحاء وألسنة البلغاء. ولم يكن هذا الإعجاز مقصورًا على اختيار ألفاظه، أو نَظْمِ جُمَلِهِ، أو رَصْفِ تراكيبه، وإنما تعدَّى ذلك كله إلى هيكله التنظيمي الرصين، وبنائه المُحْكَم الذي ليس له نظير، وهو ما يُعْرَفُ في الدرس اللغوي الحديث بالأبنية العليا. لقد تجاوزت مهمة نحو النص حدودَ الجملة إلى محيط النصِّ كلِّه، فلم يعد ينظر إلى الجملة كجملة مستقلة، وإنما باعتبارها لبنة من اللبنات المُكَوَّنة للنصِّ، وصار يبحث عن الخيوط التي تُحَقِّقُ تماسكَ النصِّ وتجعله نسيجًا مُحْكَمًا؛ فنظر إلى الأصوات وعلاقتها بالمعنى، وإلى البنية وعلاقتها بالسياق، وإلى الكلمة وعلاقتها بالجملة، وإلى الجملة وعلاقتها بالفقرة، وإلى الفقرة وعلاقتها بغيرها مِنَ الفقرات التي تُكَوِّنُ النصَّ، بل تجاوز ذلك كله إلى البحث عن مستويات أعلى مِن التحليل كالمستوى الدلالي أو ما يُعرف بالأبنية النصية الكبرى، والمستوى البراجماتي أو ما يُعرف بالأبنية النصية العليا.