وصف الكتاب:
"قبل الزيارة مررت على إبراهيم سند في المكتبة. سألته كي يفيدني عن مجمع الألمنيوم. قال: - ما عنديش معلومات كتير عنه، لكنه مفخرة القطاع العام بعد الحديد والصلب. دول مصنعين "صناعة ثقيلة"، من مصانع القطاع العام. قاطعته متسائلا: - هو القطاع العام نشأ ازاي؟ قال سند: - ثورة 1952 لما قامت، اهتمت من أول يوم بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فكانت المرحلة الأولى من 1957 إلى 1960 تنمية بدون تخطيط شامل من خلال لجنة للتخطيط القومي وكيان اسمه المؤسسة الاقتصادية. الدولة تركت للقطاع الخاص الاحتفاظ بالصناعات التي تدر ربح سريع. إلا إنه تقاعس عن ممارسة دوره واكتفى بالاستثمارات العقارية. بعد كده الثورة شافت إن الوضع يستلزم تخطيطا شاملا للتنمية وتحقيق نسبة نمو طموحة، فكانت مرحلة الخطط الخمسية وبدأت بخطة خمسية واحدة (1960-1965) ودي كانت مرحلة التصنيع المتكامل عن طريق القطاع العام المملوك للدولة. القطاع العام الصناعي حقق معدل نمو 8.5% ومع أنه كان أقل من المستهدف، إلا إنه كان نموا لم يحدث في مصر من قبل". قلت له: - إيه اللي حصل بعد كده؟ ليه ما اتعملتش الخطة الخمسية التانية؟ قال سند ونظرة أسيانة تطفر من عينيه: - شوية عوامل مع بعضها. وجود الجيش المصري فترة طويلة في اليمن، وبعدين هزيمة يونيو 67 وانهيار الاقتصاد. والأهم من ذلك، تحول ثوار يوليو إلى طبقة بورجوازية جديدة لها تطلعاتها. الـجــســــد تـرهــــــل . سرحت في كلامه ثم قلت: - طب مجمع الألمونيوم اتبنى امتى؟ في المرحلة الأولى والا التانية من القطاع العام؟ ابتسم سند وارتاح في كرسيه وهو يقول: - لازم حيشرحولكم في نجع حمادي تاريخه وطبيعة عمله وظروفه، وكده أنا متشوق لحديثك لما ترجع من الزيارة. *** حدودي الجغرافية كانت المنيا، لا أعرف ما بعدها أو ما قبلها. ركبني ذهول وفرح عند وصولنا لمشارف المصنع، ليس إلا صرح هائل مترامي الأطراف يضم تلالًا من الجمالونات الموزعة بانتظام على رقعة الأرض. أجد صعوبة في وصف مشاعري منذ لحظة عبور الباص البوابة الرئيسية إلى أن فارقنا المكان قبل الغروب. لا وجه للمقارنة مع مصنع السكر، الذي تضاءل وانكمش أمام هذه المستعمرة المتكاملة. طرق داخلية مسفلتة تحيطها أرصفة رصينة تتخللها كل ثلاثة أمتار أشجار الچاكاراندا بأوراقها الزرقاء وأشجار البونسيانا المورقة احمرارًا وورديًا فيتهادى الظل الوارف على المساحات المنبسطة. أحواض زهر الچيرانيوم والبوليانتا، وأعواد نبات الهبسكس والدفلة تنتشر في المنحنيات ومداخل مكاتب الإدارة والورش والعنابر والمساكن. دهشت من النظافة البادية ونظري يتجول بين ملاعب الرياضات ومساكن العاملين التي تتجاور في حميمية. في العنابر ووحدات المجمع.. عمال كثر يتحركون بدأب منتظم شبه ميكانيكي، تلفهم وتحتويهم ضوضاء الآلات الهائلة. قال المهندس عيسى الدندراوي مدير ورشة التدريب على الإنتاج: - في سنة 1966 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بإنشاء هذا المجمع، مع تخصيص خمسة آلاف فدان هنا في صحراء "الهو" بنجع حمادي شمال قنا بالاعتماد على الفائض من كهرباء السد العالي. استغرقت الإنشاءات وتعبيد الطرق وإقامة بنية تحتية لمنطقة صناعية متكاملة، تسع سنوات. بدأنا من الصفر حتى أقمنا واحدا من أكبر قلاع الصناعة في الشرق الأوسط. المجمع به أفضل عمالة ماهرة في العالم – بلا مبالغة- تدربت تدريبا راقيا في المعهد الفني الصناعي (الفلزات) بالتبين في حلوان. لم تتعرض الشركة لأي خسائر في تاريخها، بل كانت تحقق أرباحا دائمة. في العام الأخير، بلغت الأرباح أكثر من مليار جنيه مصري. كافة العمال يتمتعون بالرعاية الصحية والاجتماعية، ونسبة عالية من الأرباح وبشكل دوري حسب القانون" ساعة الغداء دعونا إلى قاعة ضخمة، فجلسنا إلى طاولات عليها مفارش من البلاستيك، لا فرق بين عامل ومهندس أو إداري. كان الطعام جيدا ومشبعا. سلطة وأرز ولحم وخضار وثمرة فاكهة وقطعة بسبوسة. سألت جارى، الفورمان عبد النعيم من عنبر الدرفلة: - كيف نجحتم؟ - بالعزيمة والإصرار وحب المكان وحب الوطن والتعاون بين الجميع.. النقابة والإدارة والعمال." ...... من رواية: سكر أسود