وصف الكتاب:
"في اليوم التالي دخلت القطار، وياللمصادفة لقد كانت موجودة هي الأخرى في المقصورة، وكأنها على علم مسبق بقدومي، وكالعادة بدأت التحديق بي، صحيح أنني اقتربت منها عدة مرات لأكتشف سبب اهتمامها، لكن لم أمتلك الشجاعة لمحادثتها، والمُثير أن هذا الأمر استمر دام شهرًا تقريبًا، يوميًّا نتواجه، وأظل هدفًا لنظراتها الجريئة، ويتوقف القطار ويغادر كل منا إلي وجهته بصمت. اليوم كان تفكيري مختلفًا بعض الشيء، فبمجرد خروجي من المنزل كنت قد قررت أن أستعد وأسأل هذه الفتاة عن كل شيء، جاء القطار، وبعد أن توقف، بدأت أتفحص باضطراب شديد في أي مقصورة ستكون، صعدت فورًا إلي القطار، لكن نظري كان مضطربًا في البحث عنها، وكان قلبي ينبض بشدة مشتاقًا لرؤيتها، كانت البرودة في الخارج شديدة، ولكن في باطني نار أصطلي حرها، فجأة بدأ القطار يسير شيئًا فشيئًا، وشعرت بالأسف لأن ظمئي لرؤيتها ظل كما هو، إذ لم تكن موجودة هناك، فقط بقيت صورتها ترتسم في مخيلتي. اليوم لم يكن لدي أي رغبة في الذهاب إلي العمل، لم أدر لمَ كان غياب رفيق السفر القريب مؤلمًا إلي هذا الحد، بصعوبة تامة وصلت إلي العمل، وساعدني المجال للانشغال بأعمال المكتب، حل المساء، وكنت أشعر بالملل لذهابي إلي المنزل، لكن كان لابد أن أذهب إلي المنزل على أية حال، وصلت إلي المحطة، وبعد انتظار وصل القطار، وما إن دخلت حسب العادة، حتى صادفت وجود تلك الفتاة. في ذلك الوقت لم يكن لسعادتي حد، جلست متعمدًا على المقعد المواجه لها، ومرة أخرى بدأت سلسلة النظرات القديمة بين إرسال واستقبال، لكن اليوم كانت الفتاة تحدق بي بشكل يوحي بأنها تحاول قول شيء، كان المشهد كأنه لحظة وداع، شعرت أنا الآخر بإحساس موحش غريب، لا أدري كم سؤالًا كان يريد أن يتحرر، لكن كنت أنظر إليها وهي وسط زميلاتها، ولم أتجرأ على التحدث نهائيًّا، توقف القطار لبرهة في (كلي جنكشن)، ونزلت هي مع صديقاتها، ومشت، نزلت أنا أيضًا، وحاولت أن أسير معها، ودعت صديقاتها، والتفتت إلي وجهتها، في ذلك الوقت كنت بجوارها حيث كانت واقفة تنتظر القطار الخاص بها، كُنت أتصبب عرقًا من رأسي إلي أخمص قدميّ، عندها تجرأت، واتخذت تدابير للاقتراب منها أكثر، فإذا بها تفاجئني قائلة، بصوت عذب يمتلئ بالحب: "أنت تقف على الرصيف الخطأ". كانت قد عَرِفت جيدًا الرصيف الصحيح لقطاري بسب رحلتنا معًّا خلال تلك الفترة. "أنا أقف على الرصيف الخطأ، لكنني معك"." ....................... من قصة: لحظة هاربة من المجموعة القصصية: ديفداسي