وصف الكتاب:
يقدم الناقد د. رامي أبو شهاب في كتاب “خطاب الوعي المؤسلب في الرواية العربية -مقاربات في النقد الثقافي؛ ما بعد الكولونيالية، النقد النسوي، والتاريخانية الجديدة” الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت؛ قراءة موسعة في نماذج من السرد العربي لكل من: توفيق الحكيم “عصفور من الشرق”، والطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، وعبد الرحمن منيف “الأشجار واغتيال مرزوق”، وغسان كنفاني “عائد إلى حيفا”، والطاهر بن جلون “أعناب مركب العذاب”، وإبراهيم نصر الله “حرب الكلب الثانية، وزمن الخيول البيضاء”، وجمال ناجي “موسم الحوريات”، وآسيا جبار “بوابة الذكريات”، وحزامة حبايب “مخمل” وإنعام كجه جي “النبيذة”، وطالب الرفاعي “النجدي”، وسعود السنعوسي “ساق البامبو”، وعبد العزيز ال محمود “القرصان”، وأحمد زين “فاكهة للغربان”، وعبد الرحمن عيساوي “الديوان الإسبارطي”، ومحمد علوان “موت صغير”. ويشير المؤلف في مقدمة كتابه الى ان هذه القراءة تأتي “من منطلق أن الرواية العربية كانت حاضرة في تمثلاتها للواقع، والتاريخ، والأنا، والهوية، والاستعمار، والنسوية، ومعضلة الحداثة، إضافة إلى السياقات الطارئة على المستويين السياسي والاجتماعي، وبناء عليه، فإن اختيار هذه الأعمال قد خضع رغبة في اختبار المنظورات النقدية ضمن سياق ما بعد البنيوية بهدف إعادة قراءة الرواية العربية بدءاً من منتصف القرن العشرين إلى يومنا هذا، ولا سيما صيغة الوعي التي تتصل برؤية العالم، وتمظهرها خطابياً”. ويرى أبو شهاب ان هذه المقاربات للعديد من المتون السردية التي تنتمي إلى قطاعات جغرافية مختلفة من العالم العربي، وبخاصة تمثل الوعي الكامن في هذه المتون؛ إذ تحضر مقولات الأيدولوجية، والتاريخ، والمتخيل، والنسوية في هذه المتون التي تبدو متعددة من حيث الاختيار، غير أنها تترصد في تعددها وتنوعها القبض على مقاصد الوعي الممتد لعقود طويلة من الكتابة السردية العربية. يقدم المؤلف في هذا الكتاب فصلا إشكاليا في تكوينه وصيغته، إضافة إلى منهجيته، كونه يندفع إلى قراءة جزء من المشهد السردي العربي ضمن مقاربة أشبه بتبصرات نقدية تقترب من وضعية منهجية أحياناً، وفي بعض الأحيان تفارقها عن وعي، أو قصد؛ رغبة في التخفف من النموذج الأداتي نحو نموذج أشد التصاقاً بالنص وروحه في حدود المتعالية المنهجية، ولكن دون استلاب لنبض النص، وفيضه الدلالي، فالنص يحتفي بمقصدية يوليها الكتاب الأهمية الكبرى – في حدود الممارسة الفنية- ولهذا يهدف إلى أن يُبقي الباحث على فاعلية النص، مع الحرص على ألا تطغى الاقتحامات المنهجية على النص، وتسلبه كينونته التي ربما تتوارى خلف الرغبات الأكاديمية التي تجعل من النص الأدبي مجالاً للتدليل على الفاعلية الأداتية مما يدفع إلى طمس مقصديته التي تتعالق مع العالم بوصفها رؤية له. ويرصد ابو شهاب في كتابه الذي جاء في ستة فصول تمثلات الوعي العربي ضمن مستويات نقدية تحتفي بعناوين ترسم ملمح التوجه النقدي الذي يتصل بإعادة تركيب المتون السردية في إطار تمثل نموذج الرؤية الناتجة عن تشكل الوعي المؤسلب (نقدياً) حيث جاء في الكتاب: “إن معظم التيارات النقدية التي شاعت في الغرب كانت تنطلق من فهم للظواهر الاجتماعية في تقاطعها مع السياقات، أي أنها لم تكن غايات بحد ذاتها، فالمقاربة اللغوية التي شاعت في الغرب بحثاً عن تحقيق أدبية الأدب، أو الوصول إلى علم الأدب- على سبيل المثال – كانت تنطلق من الرغبة بنبذ الأيدولوجيات بعد حربين عالميتين، والبحث عن صيغة يقينية لفهم الأدب بوصفها فعلاً نسقياً لا يتعرض لعوامل خارجية، وعليه فإنه يمكن أن نتمثله في ظل صراعات تطال النزعات الفردية والنزعات المجتمعية الناقدة ممثلة بتيارات ماركسية، وتاريخية، ومدرسة فرانكفورت، وغيرها، أي أنها بالمحصلة تفسيرات ورؤى تشتبك مع مكون فكري عميق، لا غايات بذاتها. غير أن التلقي العربي لهذه التيارات، لم ينتج أفكارا؛ لأنه تعامل معها بصورتها السكونية، لا الدينامية، بل إنها في معظم الأحيان قد غرقت في التّصور اللغوي الذي بدا لها نموذجاً أو خروجاً عن الاشتغال بالأفكار، فهذه المقاربة على الرغم من أنها كانت موقفاً فكرياً إلا أنها في النقد العربي بدت حلاً للتحرر من الأفكار والانهماك بدراسات وأبحاث لم تحدث وعياً في العقل العربي الذي بدا في تبنيه للنموذج اللغوي، أقرب إلى ممارسة هوس كامن في الماضي، فمن السهولة بمكان أن تتبع البنى والأنساق والتقابلات والتكرار، وغير ذلك بعيداً عن أي “إرهاص فكري”. ويشير المؤلف الى “أننا لا نكاد ان نرى تحولاً بارز الانعطاف أو العمق نحو صيغ سردية جديدة على المستوى الفني، ولا سيما على مستوى التشكيلات التي تتخفف من أنماط السرد التقليدي (الآمن) إلى حد ما”، في حين أن مستويات الرؤية بدت قلقة حيث ما زالت الشخصية العربية تعاني إشكاليات تبدو تاريخية؛ على الرغم من مضي قرن على انطلاق أول رواية عربية، فالهوية النسوية ما زالت معرضة للاستلاب، فضلاً عن مواجهة صيغ العنف الذي يطال التكوين الداخلي كما الجسد، في حين أن الاستعمار ما زال يصوغ هويتنا التي تآكلت بفعل التفوق الحضاري للآخر، في حين أن الذاكرة ما زالت تستعاد سردياً، ولا سيما العلاقة التي حكمت الشخصية العربية عبر نتاج التجربة الاستعمارية. ومن ناحية أخرى يرى الباحث أن المنعطفات التاريخية كالنكبة أو النكسة ما انفكت تحضر في تشكيل الوعي العربي عامة، والفلسطيني خاصة، في حين يرصد الكتاب بعض الانبعاثات لقضايا تتعلق باضطراب الوعي العربي نتيجة الأزمات التي نتجت بفعل الإرهاب، وتداعيات هذا على مشهدية الثقافة العربية بصيغتها الجديدة. ويرى ابو شهاب ان مفهوم الوعي في المتخيل الأدبي يتعلق بقدرتنا على أن ننظر إلى النص بوصفه يحتمل مستويين من الوعي، وهنا لا نريد أن ننساق إلى التوصيف الأفلاطوني حول ظاهرة الأشياء وحقيقتها، ولكننا معنيون بالنص بوصفه تشكيلاً خطابياً يمتد لنموذج مرجعي يُعنى بتكوين العالم، ففي النص يتخذ هذا العالم وعي النص المُتخيل كما يحتشد بالدلالات، ومن هنا، فإننا أمام وعيين، وعي التأويل للعالم أو وإدراكه، في حين يأتي الوعي الآخر لفهم الصيغة الناشئة من لدن القارئ الذي يمارس التأويل في مرحلة ثانية، كما يسعى في الآن ذاته إلى التوصل إلى حقيقة هذا العالم المعاين من قبل الروائي أو الكاتب، أو المبدع عامة، وكلاهما من منطلق التجربة.