وصف الكتاب:
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب آليات الفكر وسؤال السياسة في تجلّيات الحداثة العربيّة، الذي يسعى فيه مؤلفه عبد السلام المسدّي إلى معالجة إشكالٍ كثيرًا ما يتم تناوله في سياق وظيفة المثقف ومدى التزامه قضايا المجتمع أو مدى انحيازه إلى السلطة التي تسيره، وفرضية بقاء المثقف على الحياد باجتناب الإصداح بموقفه حول علاقة الحاكم بالمحكوم، مؤكدًا أن ذاك الحياد ينفي صفة المثقف عن أي باحث أكاديمي، أو عالم متخصص، أو أديب مبدِع. يتألف الكتاب (532 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثمانية عشر فصلًا. في الفصل الأول، "المثقف والسلطة"، يقول المسدي إن هناك المثقف الذي تنتفع به السلطة ويظل المجتمع معترِفًا له بأنه مثقف، وهناك المثقف المحسوب على السلطة والذي ينقسم المجتمع في أمره؛ بعض الناس يصغون إليه وبعضهم يديرون عنه الرأس. هناك مثقف الجمهور والذي لا رغبة له في معاداة السلطة، وهناك مثقف الجمهور الذي يشتري رضا الجماهير بمعاداة السلطة، وهناك المثقف الذي يغازل السلطة من وراء ظهور الجماهير، وهناك المثقف الذي يتطوع بالانتقال من مترجِم عن خلجات المحكومين إلى مترجِم لمقاصد الحاكمين، لأنه يستطيب أن يتحول من مبدع للمتن إلى حاشية على هامش النص، وغير ذلك. ذاكرة ووعي وفي الفصل الثاني، "الذاكرة الكليمة"، يتناول المسدي الكتابة التي زمنها غير زمن ما تتضمنه، ومسألة نشأة الظالم، والجدل النظري الذي أفضى إلى تأسيس نظرية المستبد العادل. يسأل: هل الشعوب هي التي تصنع طغاتها أم هم الطغاة يروّضون شعوبهم على الطاعة والانصياع؟ مَن يصنع مَن؟ الظالم أم المظلوم؟ المتجبّر أم المقموع؟ الحاكم أم المحكوم؟ برأيه، الجبروت السياسي ظاهرة معقدة جدًا وتشتمل على ظواهر متوالجة يصفها الواصفون ويحلِّلها المحلِّلون، وتشخيصها عادة ما يتم من خارجها. "وهنا تأتي أهمية الشهادة الفردية حين تنخرط في ميثاق السيرة الذاتية، وهنا تُطرح قضية أخرى لن تقل أهميتها عن أهمية المسألة الجوهرية الأولى؛ إنها قضية الوعي بتوَلد الحكم المطلق، أعني: متى ينجلي الوعي بالظاهرة؟ وكيف يتشكل إدراك الناس لها؟ ماذا يحصل لدى المثقف النقدي من مترتبات ملازمة لذاك الوعي؟ وفي المقابل: لماذا يغيب الوعي؟ وكيف تتروض النفوس على مداراة الظلم والطغيان؟ ولكن السؤال الأقسى: كيف تتحدد مسؤولية المثقف بعد إدراكه التصادم العنيف بين آلياته الفكرية ومشاهداته السياسية؟" ويقول المسدي في الفصل الثالث، "بشائر الوعي الجديد"، إن تراكمَ المعلومات مهما تعددت مصادرها، ومهما تنوعت منافذ استيعابها، بل مهما اختزنتها الذاكرة بالحفظ يتلوه استحضارُ البديهة تفصيلًا وتدقيقًا، لا يمثل في حد ذاته قيمة مطلقة في مواثيق المعرفة، إنما القيمة غير المقيدة تكمن في طريقة التعامل مع كل المعلومات المتجمعة بتحويل تراكمها الكمي إلى نسق كيفي. "ولك أن تختزل المعضلة في أوجز العبارات: المعرفة منهج قبل أن تكون تحصيلًا، والمعرفة أن تعرف كيف تسُوس المعلومات، وما العلم إلا سياسة محاصيل المخزون المعرفي، فهو تدبير وبناء لا نقل ولا حكاية ولا ترديد، ولا هو رجعٌ لأصداء الذاكرة".