معاودة التفكير في التربية المقارنة
- سنة النشر: 01 Jan 1970.
- عدد مرات التحميل: 502882 مرّة / مرات.
- تم نشره في: الإثنين , 14 ديسمبر 2015م.
وصف الكتاب:
تتزايد أهمية التربية المقارنة مع ما يشهده النظام التعليمي من تغيرات كنتيجة للتطورات المتتالية على المستوى المحلي والعالمي، فالتغيرات تتدفق ولا نكاد نعرف ماذا يحدث أو كيف يحدث أو لماذا يحدث، مما يدفعنا نحو التعرف عن ماذا يدور في الدول الأخرى وما الأساليب والطرق التي تتبعها في تربية أبنائها. ويلاحظ توجه العملية التعليمية نحو محاولات النقل من نظم التعليم الأجنبية دون دراسة كافية، وقد نتج عن ذلك العديد من المشكلات فكثيرا ما تأتي الإصلاحات التعليمية وكأنها تسبح ضد تيار التنمية المحلية، مما يشير إلى أهمية معاودة التفكير في التربية المقارنة والأسس الأكاديمية التي تقوم عليها وأيضا طرق البحث والآفاق المستقبلية للمجال. أراد هذا الكتاب أن يقدم التطورات التي مرت بها التربية المقارنة، والجهود التي شهدتها من أجل ترسيخ جذورها الأكاديمية ليكون لها برامجها المتخصصة ومقرراتها الدراسية، وتم إلقاء الضوء على أبرز ما نشر من كتب ومجلات علمية في المجال، وأيضا الجهود المتعلقة بتأسيس جمعيات التربية المقارنة، وبجانب تلك البنية التنظيمية (أو التحتية) التي تمثل التواجد الملموس للتربية المقارنة في الجامعات، تم عرض التيارات الفكرية التي تقوم عليها القواعد المعرفية للمجال، وحرص الكتاب أن يقدم ما شهده البحث التربوي المقارن من التوجه نحو البحوث الكيفية ودراسات الحالة والتحليل متعدد المستويات مع عرض لمدخل تحليل النظم العالمية وأصوله النظرية، نظرا لملاءمته لدراسة القضايا المعاصرة في سياقها العالمي مع أخذ المؤثرات المحلية في الإعتبار. ومع تزايد تأثير العولمة، وما صاحبها من أنشطة الوكالات الدولية، تم توضيح انعكاساتها على التعليم بمصر في ضوء السياق المحلي وما يتضمنه من مؤثرات ايديولجية، وكيف أدى الإستعانة بنماذج التعليم الأجنبية دون دراسة كافية إلى أن تأتي الإصلاحات التعليمية وكأنها تسبح ضد تيار التنمية المحلية، مما يشير إلى أهمية مراعاة الحساسية الثقافية عند تطوير العملية التعليمية، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود لتمهين التربية المقارنة وإعداد الكوادر المتخصصة في المجال بحيث تتوافر لديها القدرة على طرح الرؤى والبدائل أمام صانعي القرار التربوي، مما يساهم في مواجهة التحديات العالمية وتلبية الاحتياجات المحلية. لقد حان الوقت للدراسات التربوية المقارنة أن تبتعد عن التصنيفات غير الموجهة التي تعتمد على مجرد الثنائيات المضادة مثل ( الدول النامية/ الدول المتقدمة) (مرحلة الطفولة/مرحلة الرشد) أو(مناخ المدرسة/مناخ العمل) وبدلا من ذلك يحاول الباحث أن يتوصل إلى مختلف القوى التفاعلية التي تكشف بصورة أوضح عن الواقع المحيط، لذا تتضح أهمية دراسات الحالة، لما تتميز به من قدرة على المساهمة في تنقيح النظريات المتعارف عليها وتعديلها، وقد يؤدي بعضها إلى التوصل إلى نظرية جديدة في حالة عدم ملاءمة النماذج المتاحة وصعوبة تطبيقها، نظرا لأنها قد تم صياغتها بمعرفة التربويين الذين ينتمون إلى بعض دول الشمال. إن الفهم السليم للظروف المحيطة على المستوى المحلي والعالمي يساعد الباحثين على تقديم مقترحات مجدية إلى صانعي السياسات التعليمية مع أخذ متضمنات العولمة في الاعتبار، حيث تشكل تحديات للعملية التعليمية، ولكنها على الجانب الآخر تتضمن اختراقا للحواجز الزمنية والمكانية، مما يعمل على تدفق المعلومات وتيسير الإتصال، ويتيح ذلك أمام الباحثيين فرصة الوقوف على الجديد في القضايا التي يقومون بدراستها، وتبادل المعلومات والخبرات بين أعضاء المجتمع الأكاديمي العالمي. وترى المؤلفة أنه لا ينبغي النظر إلي القضايا المعاصرة المتعلقة بالتربية المقارنة والتغيرات العالمية على أنها مجرد موضوع يصلح للبحث، عندما يصعب على الباحث اختيار موضوع مناسب لدراسته، ولكن يجب ان تكون هذه القضايا جزءا من "وجدان" الباحثين في التربية المقارنة، إذ ما أردنا لها أن تشق طريقها نحو التمهين، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في الوصول إلى نظام تعليمي قائم على المساواة والديمقراطية، ولديه القدرة على استيعاب جميع أبناء هذا الوطن العريق، بحيث تراعى الحساسية الثقافية عند الاستعانة بخبرات الأمم الأخرى من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية وتلبية الاحتياجات المحلية، ومواكبة التغيرات العالمية والتصدي لمختلف التحديات. إن المبدأ الرئيسي أو القاعدة الأساسية التي يمكن أن تشتق من دراسة تاريخ الاستعارة من النظم التعليمية الأجنبية تتضمن أنه لا يوجد نظام تعليمي يمكن وصفه بأنه الأفضل، فكل النظم التعليمية لها نقاط القوة التي تميزها وجوانب الضعف التي تعاني منها، وكذلك فإن النظم التعليمية تعكس المجتمعات التي تنتمي إليها وما تشهده من متناقضات وصراعات. وتفيد الخبرات الناجحة في النهوض بالعملية التعليمية، وربما يمكن الاستفادة من التجارب الفاشلة بصورة أكبر من التجارب الناجحة حيث أنها توضح الأمور والخطوات التي ينبغي تجنبها. وأخيرا فإن الأخطاء ونواحي القصور يكون من الممكن تجنبها إذا تضمنت الأصول النظرية للتربية المقارنة الإرشادات والتوجيهات التي تقود نحو تبني سياسة تعليمية أكثر استنارة وارتباطا بالواقع المحلي. وتتزايد أهمية تمهين التربية المقارنة مع المرحلة الحالية التي تشهدها البلاد، خاصة بعد ما قام به المصريون من ثورات أبهرت العالم، نظرا لما للتعليم من أهمية عالية، باعتباره أحد أولويات مرحلة التغير الاجتماعي، فمن خلاله يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية، وأيضا تحقيق المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع، وتحسين أوضاع الفئات المهمشة. إن القيمة التي تتضمنها عملية انتشار التعليم لا تقتصر على المراحل الأولى من التغير الاجتماعي، ولكنها تستمر مع نمو المجتمع وانتقاله من مرحلة إلى أخرى، وما يتطلب من إعداد مواطن ذي مهارات عالية تتواكب مع مجتمع المعرفة الذي يعيشه العالم اليوم. إن طبيعة العملية التعليمية تتطلب معاودة التفكير في القضايا والمفاهيم ذات الصلة بها، خاصة فيما يتعلق بالسياق الاجتماعي والتحول السريع الذي يمر به. إن تمهين التربية المقارنة من شأنه أن يساهم في ارتباط البحث التربوي بالظروف المحيطة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وتقديم مقترحات مجدية إلى صانعي السياسات التعليمية، بحيث تتضمن آليات محلية الصنع نابعة من البيئة المصرية. د. منى سليمان كمال
