وصف الكتاب:
يتحدث أبو صالح في كتابه هذا حول حاجة الإنسان القديم إلى الرمز أولاً كي يحافظ على المعاني الدينية من الاندثار ويربط بين العقيدة والمجتمع، وتلك نقطة جوهرية رافقت الإنسان منذ العصر الحجري حتى العصور اللاحقة فعمل على تطويرها حتى وصلنا إلى موضوعنا في هذا الكتاب وهو عبادة الشمس عند السوريين وقد تجلى في معابد شهيرة مثل معبد حصن سليمان ومعبد بل شمين في سيع في السويداء ومعبد الإله أبولون في أسريا، ومعبد بعل شمين في تدمر، كما حضرت عدة رموز لإله الشمس أهمها النسر والأسد، وقد تناول الباحث خلال ستة فصول من الكتاب كل ما يتعلق بعبادة الشمس في سورية بإسهاب وألقى الضوء على تلك العبادة من النواحي المختلفة بحيث رسم بانوراما شاملة لها من جميع الجوانب. يبدأ مؤلف الكتاب فصله الأول بالإطار الجغرافي والتاريخي، فيشرح معنى تسمية “سوريا” ومساحتها الجغرافية والأهمية الاستراتيجية التي تتميز بها والتي جعلتها هدفاً للغزوات وطريقاً للعبور ومكاناً تفاعلت فيه الأفكار والأقوام وهو الأمر الذي ميزها حضارياً على الدوام.. فالملاحظ من هذا البحث التاريخي الهام هو تفاعل المراحل والعصور الحضارية التي تعاقبت على سورية بحيث غاب القطع التام بين مرحلة وأخرى، فالاعتقاد بالوحدانية الشمسية الإلهية تعاظم خلال العصر الهيلينستي تحت تأثير علم التنجيم الكلداني، ثم تطور في كل مرحلة وبقي جوهر العبادة الشمسية محافظاً على مكانته كعقيدة أساسية حتى وصلنا إلى العصر الروماني حيث استمر الآلهة السوريون ففي فينيقيا كان لكل مدينة مجمعها الإلهي والمحكوم غالباً بثالوث الإله الأب والآلهة الأم والإله الابن.. أما في الداخل السوري فكان الإله المحلي بعل أو السيد، وفي دمشق أخذ اسم “أدد أو حدد” وهكذا الأمر بالنسبة لبقية المناطق السورية. يقول أبو صالح إن المعابد في سورية وُجّهت نحو الشرق في أغلب الأحيان من أجل السماح بإنارة صورة العبادة “تمثال الإله” كما تقدم بعضها تنظيما معمارياً يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، كما تم بناء معظمها فوق مناطق مرتفعة لتكون قريبة من الإله حسب معتقدهم.. يضيء أبو صالح في الفصل الثالث أصل عبادة آلهة الشمس ورموزها في سورية خلال العصر الروماني، ويروي كيف كان لحركة الشمس الظاهرية ولشروقها ولأشعتها المتغيرة من وقت لآخر خلال النهار تأثير كبير على فكر الإنسان القديم أدى إلى النهوض بمعتقد ديني كرس كثير من البشر عباداتهم وطقوسهم له فكان محوريا في حياتهم الدينية والميثولوجية.. فالشمس المتعالية والسامية الارتفاع والمبهمة والغامضة تبعث ضوءها الذهبي متلألئاً براقاً فيبعث الحياة في كل شيء يلامسه، ولذلك كانت الشمس محط تقديس الإنسان.. يتابع أبو صالح تطور هذه العقيدة ودعمها بالتفسيرات والأفكار والطقوس والرموز، وصولاً إلى الطقس والاحتفالات التي تطورت هي الأخرى بين المناطق والفترات الزمنية.. يقتفي أبو صالح في هذا الكتاب أثر المخيلة وفحواها عبر الآثار والرموز والطقوس التي أتحفتنا فيها المواقع الأثرية، ويحاول تحليل هذه المعالم للوصول إلى الأفكار التي حملها السوريون والتي لخصت نظرتهم إلى الحياة وتفسيرهم للكون، وهو في ذلك يشكل بحثاً ممتعاً مختصراً لجانب مهم من الشخصية الاجتماعية والدينية التي كانت سائدة في ذلك العصر.