وصف الكتاب:
عنى به المسلمون بشهر رمضان في سائر الأقطار، وأحاطوه بأنواع التكريم، وأحيوه بصنوف العبادة، وأغدقوا فيه الخير على الفقراء والمعوزين ، ولمصر عناية بتكريم هذا الشهر، وقد عنيت الدولة الفاطمية بهذا الشهر، واحتفت به احتفاء لم يسبق ولم يلحق، فكانت تحذر بيع المسكرات ابتداء من شهر رجب، وتعاقب من يبيعها أو يشتريها سراً أو جهراً، وخصته بحفلات يعد بعضها تمهيداً لحلوله، والبعض لإعلان رؤية هلاله، وهي حفلات غنية بمظاهر العظمة، شاملة لأنواع البر والصدقات بما يرفه عن الفقير ويدخل السرور عليه. فإذا أقبل شهر رمضان عهد إلى قضاة مصر بالطواف قبل حلوله بثلاثة أيام بالمساجد والمشاهد في القاهرة ومصر. فيبدأون بزيارة جوامع القاهرة والمشاهد وجوامع مصر (الفسطاط) ثم بالمشهد الحسيني لتفقد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق قناديل. ويؤثر عن أحمد بن طولون أنه زار مسجده وقت بنائه، فرأى الصناع يشتغلون إلى الغروب وكان في شهر رمضان، فقال: "متى يشتري هؤلاء الضعفاء إفطاراً لعيالهم، اصرفوهم العصر". فصارت سنة بمصر. فلما فرغ شهر رمضان قيل له: قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى عادتهم، فقال: "قد بلغني دعاؤهم وقد تبركت به، وليس هذا مما يوفر العمل".