وصف الكتاب:
مشوار مشوارٌ طويل نحو الطفولة كي أرتبَ الأشياء مرة ثانية: سأختار الصف الذي يُطلُّ على الشارع الرئيسي سأُحبُّ البنتَ التي تعيش في شارع الجبل (خلف المستشفى، مباشرة) صحيح أنني سأنتسبُ من جديد للحزب الشيوعي لكن سأنشقُّ هذه المرة ولن أنتسبَ بعدها لأحد. سأصبحُ "لا منتمياً" لأنني حينها سأكون قد قرأت "سقوط الجدار السابع" في الأول الإعدادي قبل كولن ولسن. لا بد أن أُعيدَ النظرَ في أشياء أخرى كثيرة: كأن أقولَ للبنت التي صعدت أمامي على درج السوق إن الارتجاجَ العظيم الذي رأيته كفيل بأن يغير تاريخ المنطقة ويمنح تضاريسَها مزيداً من الأنهار والأشجار الحرجية وسهول القمح وأني أحب ذلك. وأن أقول لأبي إنني إدخن كل يوم وإن عليه أن لا يغضب لأنني أظن أن احتمالاتِ الموتِ أكثرَ مما يعتقد دكتور عيادة المخيم ربما عليَّ أيضاً أن أصومَ أياماً أكثرَ في رمضان لأنني لن أصومَ بعدها أبداً. *** أنتِ تعلمين جيداً أنتِ تعلمين جيداً أنني أتقصَّدُ كل هذا الهُراء عندما أكتب الشعر وتعلمين أيضاً عندما سرق الأولادُ قصائدي وطارت المفرداتُ مثل العصافير (المفردات التي أفنيتُ عتمةً كثيرةً وأنا أتعثَّرُ خلفها) تركتُ لهم ليلاً طويلاً وصباحاتٍ بيضاءَ كي يكتبوا الشعر الشعرَ نفسَه (هم يعرفون أنني أعرف أن ما يكتبونه ليس قصائدَ نثر) لكنهم يكتبونه مباشرة، هكذا دون ريبة، أو تأنيبِ ضمير سأواصلُ فتحَ ممراتٍ جديدة، هامشيةً مثل جداولَ لا تذهبُ الى البحر لكنها تصعدُ كي تُبلِّلَ ريقَ الأرض. *** قصيدة عن الحنين أنا أعرف أكثر من هذا الذي أكتبُه لكنني لا أعرف كيف أكتبُه عندما جلسنا أنا وأنت ودار حديثٌ عن العُلَب الفارغةِ في بيوت الجدات وعن رائحةٍ لم نعرف في أي خانةٍ يمكن أن نضعها: رائحةُ الكومدينا في بيت جدتك وهذه المتروكاتُ العتيقةُ التي تسمى ذكريات ورفوفُ الحنين التي بنتها خالاتُك عن أخوالك الذين سافروا وكنتِ تظنين أنهم من جُلّاسِ زيوس في جبال الألب لأن أُمَّكَ تظن ذلك (هم في الحقيقة أنصافُ أوغادٍ وأنصافُ مناضلين) رفوفٌ مليئةٌ، أيضاً، بصور مؤدبة تثيرُ الكآبةَ في أحسن الحالات. عندما جلسنا أنا وأنتِ لم أكن أريد أكثر من قطرةِ ماضٍ واحدة على حموضةِ الكلام في لغةِ الحداثةِ التي أجتهدُ كي أصلَ إليها. *** على أقصى تقدير عندما يُطلقون أبواقَ سياراتهم التافهة ليقولوا مرحباً لا ألتفت عندما يضعون أقدامَهم في النهر على أمل أن يأخذهم الى بلادٍ أخرى أربطُ الحذاءَ تحسُّباً عندما يبعث الحزب تعميماً مروَّساً بملاحظات باردة مثل "الحضور إجباري" ومذيلاً باسم الأمين العام لا أذهب. لن أشاركَهم في شيءٍ لا أريد أن أذهبَ إلى المظاهرات على أقصى تقدير يمكن فقط ولأسبابٍ شخصيةٍ لا علاقةَ لها بالشأن العام أن أرجُمَ من بعيدٍ وزارةَ العدل. وليد الشيخ .. من مواليد "مخيم الدهيشة" في بيت لحم عام 1968. صدر له في الشعر: "حيث لا شجر" (1999)، و"الضحك متروك على المصاطب" (2003)، و"أن تكون صغيراً ولا تصدق ذلك" (2007)، "أندم كل مرة" (2015)، و"شجار في السابعة صباحاً" (2017). كما صدر له في الرواية: "العجوز يفكر بأشياء صغيرة" (2012).