وصف الكتاب:
تتذكر أنها اقتربت منه ذات أحد، وهو جالس في ركنه القصي بعيدًا عن الصداع، في شرفة بيتنا الخلفية، يستمتع بعطلته الأسبوعية، وبتدخين سيجارته، متطلعًا براحة إلى المساحة التي تعرش فيها شجيرات الورد والبرتقال والليمون، وشجيرات الزينة، وتغزوها مغردة بين الحين والآخر، أسراب من الطيور الصغيرة المختلفة التي تعيش بيننا، قبرات، هزار، سمان، دوري، أبو الحناء... وأمامه على سطح مائدة فنجان وطبق من الخزف الصيني الأبيض، به قهوة مرة. خطت الخالة قادمة نحوه على مهل، وهي لا تزال بجلبابها وحذائها الموكاسان، وحرصت ما أمكن أن تضيف البهجة على صوتها: - صباح الخير سي عبد المولى. رفع والدي رأسه نحوها، في اللحظة التي كان قد نفث فيها سحابة من الدخان، ولأمر ما شعر بأن الخالة اقتحمته، وأخذته على حين غرة. هشت أم هاني الدخان غير متأففة، ورأت كيف تردد والدي قليلًا، قبل أن يمسك بالورقة التي مدتها إليه، ونظر إليها كما ننظر إلى شخص انشقت الأرض وأنبتته أمامنا فجأة.. وبحسب أمي التي تعرف تنافرهما من زمان، كانت تشبههما بالقط والفأر، وفي العادة خالتي أم هاني هي الفأر...