وصف الكتاب:
ترجمة الشعر ضربٌ من العشق، لا يعرف أسرارها وخباياها إلا من يكابدها، ولا يقوم بها إلا من وقع في غرامين معاً: عشق الشعر وعشق اللغات، لهذا اختلف الشعراء والمترجمون حول فوائدها والكثير من جوانبها، رأى بعضهم كالأرجنتيني خورخي لويس بورخس أنه إذا كانت الكتابة نفسها تشويهاً فالترجمة تشويه التشويه. أما الشاعر الأميركي روبرت فروست فكتب يقول: "إن ما نخسره في الترجمة إنما هو الشعر "Poetry is what gets lost in Translation" أما لماذا قام مترجم... "قصائد من المكسيك"، فهو يقول أنه ورغم معرفته المسبقة بصعوباتها ومخاطرها ومعاناتها، فقد كانت لديه رغبة ملحّة في ترجمة هذه القصائد، فهو ما زال يرى أن الشعر يختصر الحضارة، وإذا ما أردنا إكتشاف جوهر حضارة ما، علينا قراءة الشعر الذي أنتجته وتنتجه. مضيفاً، أنه وعند قراره الإستقرار في المكسيك عكف على قراءة الشعر المنشور في الصفحات الثقافية، أو في مجموعات ومختارات ومستقلة، وبدأت عملية الترجمة لتلك القصائد، مع البدء في نشر مجلة "الحركة الشعرية" لأن التوجهة في نهاية الأمر جسر عبور بين ثقافة وأخرى، لثوابته الفرصة ومن ثم في جمع ما تناثر من ترجماته لقصائد في كتاب، ومنهجيته في الترجمة القفز إلى زمان القصيدة ليعيش حالتها... هذه القفزة ساعدته كثيراً في الوصول إلى جوّ القصيدة الأصلي، ومناخها الاول، ليعود من ثم إلى عملية الترجمة مع إهتمامه بالصور والكلمات والتراكيب... لم تكن الترجمة الحرفية نهجه أو طريقته، على الإطلاق، إذ كانت غايته حفظ بريق القصيدة وسحرها... نكهتها وعبقها... ليتمتع فيها القارئ في لفتها الجديدة... محررّاً القصيدة من سلاسل اللغة التي ينقل منها... لتبدو بسيطة، ولتأتي التراكيب عربية، حتى لا تبدو وكأنها تأتي بلكنة غريبة، تاركاً هذه الترجمات بين يدي القارئ. طامحاً أنه يستطيع القفز إلى لحظة كتابة القصيدة ليعيش في جوها، لا هدف عنده من نشرها... وإنما تكفيه السعادة التي اختبرها لدى ترجمتها، متمنياً أن يحصل القارئ عليها. "من قصائد أو كتافيوباث" الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1990 "زيارات"... عبر ليل المدينة الحجري الجاف... يدخل الحقل إلى غرفتي فاتحاً ذراعيه الخضراوين... عليهما أساور من عصافير... وأساور من أوراق الأشجار... ويقود نهراً في يده... وتدخل أيضاً سماء الحقل مع سلّتها من جواهر تمّ قطعها قبل لحظة... ويجلس البحر جواري... يمدّ ذيله الأبيض على الأرض... من الصمت تنتفض شجرة موسيقى... ومن الشجرة تتدلّى كل الكلمات الجميلة التي تلمع، تنضج، وتقع، في جبهتي غاية يسكنها البرق، وفي كل شيء آخر تسكنه الأجنحة: أخبريني: أصحيح أن الحقل يأتي من بعيد، أم هذه أنت والأحلام التي تحلمين جانبي؟ [...]. "كالذي يسمع المطر"... اسمعيني كالذي يسمع المطر... دون أن تعيري إنتباهاً... ودون أن تكوني شاردة الفكر... خطوات خفيفة، رذاذ، الماء هواءٌ، والهواء زمان، النهار لم ينته بعد، تشكيلات الضباب عند لفّ الزاوية... وتشكيلات الزمان عند منعطف الوقفة... اسمعيني كالذي يسمع المطر، اسمعي ما أقول دون أن تسمعيني وعينك مفتوحة إلى الداخل، نائمةٌ وحواسك الخمسُ صاحية، مطرٌ، خطوات خفيفة، حفيف المقاطع... هواء وماء، كلمات لا زون لها... ما كناه وما نحن عليه الآن... الأيام السنوات وهذه اللحظة، زمانٌ لا وزن له، كآبة هائلة... اسمعيني كالذي يسمع المطر... الأسفلت الرطب يبهر العيون... والبخار يتصاعد ويمشي وينفتح الليل وينظر إليّ... هذه أنت... وقامتك البخارية... أنت ووجهك الليليّ... أنت وشعرك برقٌ بطيءٌ... تقطعين الشارع وتدخلين في جبهتي... خطواتٌ ماءٍ على جفوني... اسمعيني كالذي يسمع المطر، الأسفلت يبهر العيون، وأنت تقطعين الشارع، الضباب، التائه في الليل، والليل النائم في سريرك، تموجات أنفاسك، أصابعك المانية تبلّل جبهتي... أصابعك النارية تحرق عيني... وأصابعك الهوائية نفتح جفون الزمان... ينبوع الظهورات والإنبعاثات..