وصف الكتاب:
"على متن الطائرة، أمسكت بكتاب ويليام ستايرون بعنوان "الظلام المرئي: مذكّرات في الجنون". تحدّثنا معاً عن ثيمة الإحباط والكآبة. كيف يصبح كلّ شيء كاذبا لأن الأشياء لا تظهر على حقيقتها. ففي حالة الكآبة، لا شيء يستحقّ العناء لأن كل ما تراه تستشعر به كما الحلم. ولا تستطيع حينها شرح ما تشعر به لأنّ تجربتك فرديّة. بمعنى، كلّ فرد يمرّ بالإحباط يعالجه تشويش مؤقت اسمه العائلة أو الحب أو السفر. ولكن في نهاية اليوم، وعند خلودك الى النوم، التشويش معدوم. فلا يفصل بينك وبين الوسادة الاّ قماش وأفكار سوداويّة. فينصبّ التركيز على ساديّة للنفس و فشل لتطوير الذات. وتغدو أسيراً لتسجيل اللحظات اليومية لإنكار الذات وساعات التّيه والعبثيّة. ويغدو ارتباكك النفسيّ ألماً جسديّاً. وتصبح أسيراً للأرق ولتقلّبات عنيفة للمزاج. تشعر بالضّعف لقلّة حيلتك في مشاركة ضعفك مع الآخرين. فكّلما حاولت مشاركة أفكارك مع الآخرين، ضعفت أكثر. ففي مشاركتك تنتهك حرمة خصوصيّتك. ولا تستطيع شرح حالتك لأنّك شخصيّاً لا تفهم ما يدور بداخلك. وتأتي أصوات الناس تباعا، فتواسيك: "فقل الحمد الله", أو "اللّي بعيش برضا", أو "فليكن!" كلّ هذا يأتي كالضوء التي وصفته الكاتبة إيميلي ديكنسون، كالضؤ الهافت في غرفة عمليّات جراحيّة. وحتّى ديكنسون قتلت نفسها بسرعة الضوء. فكلّ كاتب وفنّان هو إنسان ميتٌ يحدّثنا عن معنى الحياة. والموت ليس دائماً جسديّ. فالموت الحسيّ الفلسفيّ يأتي بأشكال غير الإدمان على الكحول والتدخين والمخدّرات والانتحار. فالإنتحار الحقيقي هو انتحار الفكرة وخلود المبالغة والاستعارة. وتشعر بالملل الشديد وسط الأصدقاء. وتشعر بالوحدة وسط الزحام. وتستيقظ في الصباح مفعماً بالحيوية والتفاؤل، وتدخل الحجرة الصفيّة وسقف أحلامك السماء، ونواياك أن تغيّر العالم وتمحو الأميّة الثقافيّة والعولمة. وتتفاجئ أن الطلّاب حفايا، فلا قلم ولا طموح. ويغدو مسدّس صوتك مكتوماً، وتغدو أطماعك في تغيير العالم للأحسن أصداء أحلام أرقك وأنت تغسل صحون العشاء. فالأكل في معدتك كما في القمامة، لا طعم له ولا رائحة. وتصبح ماهيّة الموت كما الوقت: نسبيّة." "على متن الطائرة، أمسكت بكتاب ويليام ستايرون بعنوان "الظلام المرئي: مذكّرات في الجنون". تحدّثنا معاً عن ثيمة الإحباط والكآبة. كيف يصبح كلّ شيء كاذبا لأن الأشياء لا تظهر على حقيقتها. ففي حالة الكآبة، لا شيء يستحقّ العناء لأن كل ما تراه تستشعر به كما الحلم. ولا تستطيع حينها شرح ما تشعر به لأنّ تجربتك فرديّة. بمعنى، كلّ فرد يمرّ بالإحباط يعالجه تشويش مؤقت اسمه العائلة أو الحب أو السفر. ولكن في نهاية اليوم، وعند خلودك الى النوم، التشويش معدوم. فلا يفصل بينك وبين الوسادة الاّ قماش وأفكار سوداويّة. فينصبّ التركيز على ساديّة للنفس و فشل لتطوير الذات. وتغدو أسيراً لتسجيل اللحظات اليومية لإنكار الذات وساعات التّيه والعبثيّة. ويغدو ارتباكك النفسيّ ألماً جسديّاً. وتصبح أسيراً للأرق ولتقلّبات عنيفة للمزاج. تشعر بالضّعف لقلّة حيلتك في مشاركة ضعفك مع الآخرين. فكّلما حاولت مشاركة أفكارك مع الآخرين، ضعفت أكثر. ففي مشاركتك تنتهك حرمة خصوصيّتك. ولا تستطيع شرح حالتك لأنّك شخصيّاً لا تفهم ما يدور بداخلك. وتأتي أصوات الناس تباعا، فتواسيك: "فقل الحمد الله", أو "اللّي بعيش برضا", أو "فليكن!" كلّ هذا يأتي كالضوء التي وصفته الكاتبة إيميلي ديكنسون، كالضؤ الهافت في غرفة عمليّات جراحيّة. وحتّى ديكنسون قتلت نفسها بسرعة الضوء. فكلّ كاتب وفنّان هو إنسان ميتٌ يحدّثنا عن معنى الحياة. والموت ليس دائماً جسديّ. فالموت الحسيّ الفلسفيّ يأتي بأشكال غير الإدمان على الكحول والتدخين والمخدّرات والانتحار. فالإنتحار الحقيقي هو انتحار الفكرة وخلود المبالغة والاستعارة. وتشعر بالملل الشديد وسط الأصدقاء. وتشعر بالوحدة وسط الزحام. وتستيقظ في الصباح مفعماً بالحيوية والتفاؤل، وتدخل الحجرة الصفيّة وسقف أحلامك السماء، ونواياك أن تغيّر العالم وتمحو الأميّة الثقافيّة والعولمة. وتتفاجئ أن الطلّاب حفايا، فلا قلم ولا طموح. ويغدو مسدّس صوتك مكتوماً، وتغدو أطماعك في تغيير العالم للأحسن أصداء أحلام أرقك وأنت تغسل صحون العشاء. فالأكل في معدتك كما في القمامة، لا طعم له ولا رائحة. وتصبح ماهيّة الموت كما الوقت: نسبيّة."