وصف الكتاب:
كانت مدينة آني عاصمة مملكة أرمينيا القديمة (التي تضم حاليا معظم مساحة أرمينيا اليوم وشرق تركيا)، وقد نشأت في القرن (4م) وبدأ العصر الذهبي لها منذ عام (961م). عندما صارت عاصمة لأرمينيا بعد شراء الباغراتيين (Bagratids) لقلعتها (961م) نقل الملك أشوت الثالث العاصمة من كارس إلى آني. وفي حوالي عام (964م) شيد الملك أشوت الثالث أسوارا حول المدينة، ضمت سبع بوابات ذات أبراج نصف دائرية يبلغ ارتفاعها (8-10م)، وقد نمت آني بسرعة حيث استكملت الأسوار إلى الشمال (989م). تقع أطلال المدينة بالقرب من الحدود بين تركيا وأرمينيا على الضفة الغربية لنهر أخوريان (شكل1)، وتمثل موقعا عسكريا في المقام الأول، حيث تقوم على منطقة مرتفعة تتخذ تخطيطا مثلثا قاعدته في الجنوب تبعا لطبوغرافية المنطقة المقامة عليها، ويبدو أن الاختيار كان متعمدا للدواعي الدفاعية للمدينة. وترجع أهميتها إلى كونها مركزا تجاريا على طريق الحرير نحو الأناضول، وسيطرتها على مفترق طرق القوافل التجارية فيما بين بيزنطة وفارس وسوريا وآسيا الوسطى، كما تعد من المدن الأرمينية التي تحتفظ بالعديد من العمائر ذات الطابع الإسلامي من حيث التخطيط المعماري والعناصر المعمارية والفنية. لقد تأثرت أرمينيا بالتقاليد الإسلامية منذ دخل إليها المسلمون في العهد الأموي في عهد الوليد بن عبد الملك، وكان من نتائج استقرار الوجود العربي أن شهدت في العصر العباسي ازدهارا معماريا، فاستمرت عمليات الترميم والتجديد والإنشاء للعديد من العمائر والمنشآت مما ساعد على انتقال التأثيرات المعمارية العباسية وانتشارها في كل ربوع أرمينية، حيث أقيمت المساجد والقصور والأسوار ذات الأبراج والأسواق والفنادق والخانات والحمامات. كما تأثر تخطيط الكنائس بالتأثيرات الإسلامية أيضا. لم يعد بمدينة آني وجود إسلامي بعد خروج المسلمين من أرمينية (القرن5هـ/11م)، حيث بسط الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الرابع سيادته عليها (1041م)، وما لبث السلطان السلجوقي ألب أرسلان أن هاجمها عام 456هـ (1064م) على رأس جيش من السلاجقة الأتراك فحقق النصر على البيزنطيين عام 462هـ (1071م) في موقعة ملاذ كرد. ومن ثم انتقلت التأثيرات المعمارية السلجوقية إلى عمائر آني خاصة عندما قام ألب أرسلان بتجديد عمائر المدينة خاصة الأسوار والبوابات، وشراء سلالة الشداديين الكردية عام 465هـ (1072م) للمدينة، والذين انتهجوا سياسة التسامح الديني تجاه سكان المدينة من المسيحيين. وبعد حالات من عدم الاستقرار غزاها المغول عام 634هـ (1237م) واستمروا بها حتى فقدوا السيطرة عليها في عام 736هـ (1336م) على يد السلالات التركية التي أطلق عليها الشاة السوداء (قرا قيونوللو) والذين جعلوا منها عاصمة لهم، وفقدت المدينة أهميتها التجارية بحلول منتصف القرن (8هـ/14م)، واستولى عليها تيمورلنك في عام 782هـ (1380م)، ولكن بعد وفاته استعادت الشاة السوداء (قرا قيونوللو) السيطرة عليها، ثم أصبحت جزءا من الإمبراطورية العثمانية في عام 987هـ (1579م). كانت آني مدينة مأهولة بالسكان يشير إلى ذلك العمائر المتنوعة والتي تشمل مئات الكنائس والقصور والبيوت المحلية والدكاكين والحانات والمخازن والحمامات والطواحين والمعاصر والمصانع المختلفة التي تصنع الملابس والخزف والأشغال معدنية، الخ. كانت المدينة مزدحمة بالعمائر والشوارع الرئيسية التي تبدأ عند الأبواب الشمالية الثلاثة وتتجه جنوباً نحو القلعة. وقد استطاع الباحث حصر عدد من العمائر ذات التأثيرات الإسلامية وتشمل المساجد كمسجدي منوچهر والمعمران (حمزة بن قباد شاه)، والقصور وتشمل قصر القلعة والقصر الشمال الغربي المدينة (سلطان سراي)، وكنيسة القلعة ذات التخطيط الإسلامي، والأسوار والبوابات وتشمل بوابة دوين وبوابة الأسد (ألب أرسلان). يهدف البحث إلى تسليط الضوء على مدينة آني التي لازالت تحتفظ بالعديد من العمائر ذات التخطيط والعناصر المعمارية والفنية الإسلامية أو المتأثرة بها، وحسم الجدل حول التاريخ الحقيقي للعمائر وكذلك إبراز العناصر التخطيطية والمعمارية والفنية التي تركت آثارا على العمارة السلجوقية فيما بعد. تدور تساؤلات البحث حول أهمية العمائر الإسلامية بمدينة آني، وماهية العناصر التحليلية والمقارنة التي استند عليها، إلى جانب ظهور التخطيط الإيواني بالقصور تأثرا بالتقاليد المعمارية العباسية، كما اتبعت الأسوار والبوابات نفس التخطيط المعماري والعناصر المعمارية للأسوار والأبراج بالاستحكامات العباسية. ومن ثم، فقد اتبع الباحث المنهج الوصفي والمنهج التحليلي لدراسة العمائر الباقية، وكذلك المنهج المقارن مع العمائر التي سارت على نفس التخطيط والعناصر المعمارية والزخرفية.