وصف الكتاب:
مقتطف من الرواية: إنّي كيان تبنّاه الجوى، وغارَ بين خِصامِ النّجوى والشّكوى، فما نجَد رأسُه مِن سُفلى القهرِ إلى رأسِ الهوى. وإذا ما تجاسرتُ، وتسلّقت الأسوار المرصوصة بيني وبينَ الفضاء، مُقتاتة على ما اختزنه مِزودي مِن آمال خِسئت إلى الحضيض، لم ألبث وأن استسلمت عن اقتِطاف نجمة الغاية مِن شجرِتِها المُحرّمَة عليّ دون الجميع، رغم نقائي مُقارنة بهم. كُنت أتمضمض بعلقَمِ الذّكرى، وأبصق دِماء روحي رويدًا رويدًا، حتّى خويتُ منّي. ولكن كُلّما قبّل الشّحوب محيّاي، وتطاولت أذرعه ابتِغاء اقتِناص خصوري، طرحته على مُلاءة الرّفض واعتليته فغدوتُ أكثَر مِنه شموخًا، وكُلّما مزّقت الوحدة مُقلتيّ وأبكتهُما، رتقت تمزّقها بالجفاء، وانصرفتُ عن الشّكوى، كما ينصرِم الزّمَن بغير رادِع. خشيتُ أن أمدّ يديّ وأتمادى في اغتِراف الدّفء مِن حُضن أحدهم، فأنحَلّ فيه وأميع كالمسحوقِ في الماعون، بغير قدرةٍ على الرّجوعِ إلى ما عجنته لي مِن صلابة. خشيت لو أنّي اتّخذتُ مِن فُؤادِ أحدِهم مضجعًا، صار لي في يومٍ من الأيّام مرتعًا. أمّا الملاءات التي فرشتُها على مُحيّاي، سويًّا وسجيّتي، فرادِعات تحول بيني وبين الجميع، حيثُ تسمو مُقلتيّ عدستان زجاجيّتان الكُلّ يعجزُ عن تخطّيهما، والجريانِ في مضماريهِما نحوَ فُؤادي؛ فإن ما غزاهُ أحد، أمِنتا إلى الأبَد، أمِنتا هُبوب النّزوات، ولهيب البكوات.