وصف الكتاب:
تقديم ماجد شُبرَّ (يصدر هذا الكتاب بعد ما غادرنا المرحوم محمود كبيبو وقبل ان يرى هذه النسخة المطبوعة ) استمراراً للمنهج المتبع في شركتنا بتقديم البحوث والدراسات المهمة من مختلف المجالات الفكرية والتاريخية والاجتماعية، ينصب هذا الكتاب على شخصية محمد ابن الحنفية من النواحي التاريخية والسياسية دون الخوض في الجوانب الدينية والمتعلقة بشخصيته كمحور لفرقة دينية. على الرغم من أهمية هذه الشخصية تفتقر المكتبة العربية إلى وجود كتب وأبحاث عن شخصية مهمة، كانت فاعلة في المراحل الأولى للتاريخ الإسلامي، وها نحن نقدّم تاريخ ودور محمد ابن الحنفية من خلال أطروحة الدكتوراه للباحث الألماني هوبرت باننغ والتي قدمها للجامعة عام 1909م، على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في بحثه هذا إلَّا أني وجدت هناك نقصاً كبيراً في التطرق إلى الفرق الكيسانية التي تدور اعتقادها على محمد ابن الحنفية، لقد وضعت بحثاً ملحقاً في نهاية هذا الكتاب عن الفرقة الكيسانية، كي تستكمل الدارسة هذه وتعطي للقارئ فكرة متكاملة عن محمد ابن الحنفية. من مقدمة المؤلف محمد ابن الحنفية، الذي لعب كإمام للفرقة الكيسانية دوراً في الإسلام فترة طويلة من الزمن حتى بعد وفاته، هو إحدى الشخصيات التي لم يزل حتى الآن يسود بعض الغموض عن حياته وطباعه. بعد أن ظهرت مواد جديدة لابن سعد حاولت جاهداً فيما يلي تكوين صورة عن حياة وطباع وأهمية ذلك الرجل بأن قمت بإجراء مقارنة نقدية بين كثير من التقارير الكاذبة ذات المنشأ الكيساني أو العباسي من جهة وبين تلك التي يمكن أن تكون موثوقة وذات مصداقية، وتلك الروايات الكثيرة التي تتطابق في القضية الرئيسية مع بعضها، لكنَّها تتضمن بعض التباينات في التفاصيل، من جهة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنَّ طريقة عرض المؤرخين العرب القدامى، الذين يشكلون المادة بطريقة فسيفسائية من تقارير منفردة منسوبة غالباً إلى شهود عيان مزعومين، تضع أمام ترتيب الأحداث بتسلسل تاريخي صحيح صعوبات كثيرة أعتقد أنَّني تجاوزتها بإجراء مقارنات دقيقة وبمنتهى العناية. أما أن يعود الفضل في السمعة الطيبة التي كان يتمتع بها محمد ابن الحنفية إلى أُمّه أيضاً، حسبما كان يزعم البعض، فهذا غير صحيح بأيِّ حال. إذ إنَّ أمّه خولة كانت ابنة جعفر بن قيس بن ثعلبة بن يربع بن ثعلبة بن الذول بن حنيفة بن لجين بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. لم تكن ابنة «أمير للحنفيين» كما يزعم فان غلدر، وإنَّما جارية من بين أسرى اليمامة الذين استولى عليهم خالد بن الوليد في المعركة الشهيرة معركة «حديقة الموت»، ثم أهداها أبو بكر لعلي. أي أنَّ كونها جارية لم يكن له تأثير إيجابي على مكانة ابنها. وعلى الأخص في المدينة (المنوَّرة) لم يكن ما يجلب المجد أن يكون شخص ابن جارية حتى ولو كان أصلها وجيهاً. اعتبر جزء كبير من الشيعة محمداً ابن الحنفية الأحق بين أبناء علي، وتوجهوا إليه في المدينة المقدَّسة، وربما في المدينة (المنورة) أيضاً قبل ذلك، وخاطبوه بلقب «المهدي». وكان يرد على ذلك بالقول: «نعم أنا مهدي (أي ليس «المهدي») أُهديت إلى الرشد والخير. واسمي هو اسم رسول الله وكنيتي هي نفس كنيته. هكذا جاء في تقرير موسى بن إسماعيل الذي يعدّ بصورة عامة موثوقاً جداً. وبذلك يُقدَّم لنا دليل واضح على أنَّ محمداً ابن الحنفية لم يكن بأيِّ حال يريد من أنصاره أن يعبدوه، كما يدّعي البعض، وإنَّما، كما سنرى فيما بعد، كان يرفض بشدة كل تقديس مبالغ فيه.