وصف الكتاب:
"بدائع السلك في طبائع الملك" من الكتب التراثية الهامة في علم الاجتماع السياسي لدى المسلمين. لقد أثبتت هذه الوثيقة النادرة التي يقدمها المحقق للقارئ من خلال هذا الكتاب ان عبد الرحمن بن خلدون في "مقدمته" المشهورة لم يكن سوى حلقة في سلسلة طويلة، ولم يكن سوى غصن في شجرة باسقة، هي سلسلة الفكر الإسلامي المتكامل، ما من فكرة أو نتيجة توصل إليها، إلا ونجدها لدى السابقين من مفكري الإسلام، الدولة العصبية، العوارض الذاتية، نجدها من قبل في "الشوكة" لدى المسعودي والغزالي و"عوارض السياسة" لدى الماوردي وغيره من المفكرين المسلمين، وحوادث التاريخ وعوارضه لدى من سبقه من مؤرخين متعددين، وما من نتيجة أو مسلمة توصل إليها، إلا ونجد لها مثيلاً من قبل. وهو طبق على هذا كله المنهج الاستقراعي الإسلامي الذي نضج من قبل لدى الأصوليين والمتكلمين والفقهاء. لم يكن ابن خلدون العبقرية الوحيدة، و"الظاهرة الفريدة"، في الفكر الإسلامي. بل كانت له براعته المنهجية وأصالته الخاصة، ولكن كواحد من المفكرين أو كعضو في أسرة كبيرة، تضافرت على إقامة حضارة إسلامية وفكر إسلامي في شتى المجالات والمحقق يكشف من خلال هذا الكتاب عن مفكر اجتماع سياسي من أكبر مفكري الإسلام هو أبو عبد الله محمد بن علي المشهور بابن الأزرق من خلال كتابه "بدائع السلك في طبائع الملك" الذي لا يقل في تكامله، ولا في منهجيته عن مقدمة ابن خلدون وسيلحظ القارئ، انه وإن كان ابن الأزرق قد استند على مقدمة ابن خلدون وهي لازمة منهجية لمفكر توفي بعد ثمانين سنة من وفاة ابن خلدون، غير أنه خطا، بالنظريات الاجتماعية السياسية لدى المسلمين، خطوات أوسع، ووصل بهذه النظريات، إلى مرحلة نضج، ومزج بين نظريات ابن خلدون ونظريات أخرى سياسية إسلامية، تستند على اتجاه آخر، يخالف اتجاه ابن خلدون السياسي البحث، وهو علم الأخلاق السياسي، وهو علم لم يحظ عند ابن خلدون بمكانة واسعة، ورأى ابن الأزرق أن يضع له مكاناً في علم الاجتماع سياسة، فحاول أن يوفق بين نظريات ابن خلدون، ونظريات ابن رضوان والطرطوشي، بالإضافة إلى ذلك فإن كتاب ابن الأزرق هذا يكشف عن مصادر مقدمة ابن خلدون، فبينما كان ابن خلدون "كتوماً" إلى أكبر حد، يستخدم نظريات غيره، ويستند على مآخذ متعددة لا يذكر صاحبها، ويدل بنفسه، على أول من توصل إليها، نرى ابن الأزرق، وهو أولاً وقبل كل شيء فقيه أخلاقي، وراوية حديث متثبت، وقاض من قضاة المسلمين، يذكر مصادره بأمانة وصدق، ولا يكتم مآخذه ولا منابعه، أو بمعنى أدق يعطي لكل ذي حق حقه، ويعبر عن آرائه هو بالصيغة المشهورة (قلت) بل ما أكثر ما ذكر حتى في (قلت) هذه مصادره هو نفسه. أما اسمه الكامل فهو محمد بن علي بن قاسم بن مسعود أبو عبد الله الأصبحي الغرناطي الأصل المالقي الوادي آشي ويعرف بابن الأزرق، كان لهم فهم في دراسة مختلف العلوم الإسلامية، نقلية وعقلية، حفظ القرآن أولاً، ثم اتجه نحو العلوم الفقهية، كما درس الأدب والشعر، وتلقى العلوم العقلية عن ابن فتوح. ويجيد القارئ في هذا الكتاب مدى اطلاع ابن الأزرق الواسع على كتب سابقيه في مختلف فروع الثقافة الإسلامية، واستيعابه لها، واستخراجه الممتاز لنصوص الكتب المتعددة في التراث الإسلامي، وسيلمس القارئ مدى خصوبة المكتبة الأندلسية، التي كانت بلا شك تحت يديه. وسيجد وفي نهاية الجزء الثاني من هذا الكتاب ثبتاً بأسماء المصادر التي استخدمها، وقد استخدمها بأمانة، وقدم لنا النصوص الصحيحة من كتب ومخطوطات بين أيدينا، كما قدم لنا نصوصاً متعددة من كتب لم تصل إلينا. أما أسلوبه فقد كان رائعاً في بدائع السلك لا تشوبه لكنة، أو أعجمية، أو ضعف، بل تجري عبارته سلسلة واضحة، وقد كان أن الأزرق أديباً، ذواقاً، وشاعراً رصيناً، ومقطعاته الشعرية المتعددة برهان واضح على كل ذلك.