وصف الكتاب:
حكاية أخرى عن عراقٍ انغرست فيه رماح كل الفصائل فاستحال جرحًا لا يندمل، هي كتابة أشبه بنزف لا توقفه السنين، ولا تبلغه مباضع الجراحين، الزمان كثيرًا ما يخفق في رتق الشقوق والشروخ، والحكاية بدأت لكي لا تنتهي، إنما لتمضي كقطار قديم يسير على قضبان صدئة في مسار لا نهائي. قطار هجره ربما كل ركابه، ولكنه يظل سائرًا ليخلق جلبة كفيلة باستدعاء الذكريات؛ هنا كانت العربات تضج بالضحكات، وتحلق فوقها أحلام المسافرين، غابت أصوات الناس وقد شتتها أزيز الرصاصات ودوي دانات المدافع، ولكن ضجيج الحكاية كفيل باسترداد الأصداء كلها. على الرغم من بساطة القالب الروائي الذي صنعته الكاتبة لتسكب فيه حكاية شبيهة بمئات الحكايات، جاءت الرواية شديدة التميز، بلغة رصينة مزجت بين الفصحى والعامية العراقية البسيطة، وتكنيك سردي سمح للرواة بتبادل منصة السرد مع بعضهم البعض، ومع الراوي العليم في أوراق الفصل الواحد، بمرونة وحرفية استحقت بهما الكاتبة تتويج هذا النص بجائزة كتارا، فئة الرواية غير المنشورة لعام ٢٠١٥ قصة عشق بين قمر وجميل، وفوارق سياسية تحكم بالفشل على الحكاية في طور مخاضها، وعلى العاشقين بفراق لا يبدده سوى أمل مستحيل يستقر في خيالات السهارى، وبين أوراق الروايات. ثم حرب تتفجر لتفتت الوعود وتشتت الشخوص بين قارات العالم، وتدمغ كلمات النهاية بألوان الدم والبارود وسواد العباءات، إلا أنها -قرب النهاية- تعود لتترك فرجة صعيرة في أثواب الحداد، ينبثق من خلالها ضوء الوعد. تسرد الرواية مسيرة تحولات وطن عبر ثلاثة عقود من القهر والدمار، وتعرض تحولات العراقيين من خلال وثبات أيدولوجية متتالية، فالشيوعي محمد الرحال، يلتحف برداء البعث، ثم يتحول إلى رأسمالي نفعي، والإسلامي جميل، ينتحي صوب إسلام ليبرالي لا وجود له، دون أن يرفض استخدامة كواجهة للأحزاب الدينية حال هودته، محققًا انتقامًا ضمنيًا من طغاة طردوه عنوة من وطنه إلى دوامات من الاغتراب. أما قمر، فهي ذاكرة المكان، وربما كان المكان هو البطل الحقيقي لهذا النص، تقدم قمر عقلها قربانًا للوطن، فدية للبقاء، ترفض كل المغريات وتنكر الأسباب التي تسوغ لها الرحيل، تتداعى حواجز وجدران عقلها، وتداهمها نوبات من الوشيش، فتتخذ من دميتها خليلة تؤنس وحدتها، وتمضي كقطار يجر من خلفه كل الصور والأسماء والمطارح، تحدث جلبتها الخاصة التي تطغى على صوت الوشيش، إلا أنها تمارس الركض في المحل، تركض في ردهات عقلها المزدحم بذكريات الراحلين، جسدًا ومكانًا، دون أن تغادر وطنًا لخصته في دار ترفض مغادرتها. تهرب قمر بعكس عقارب الساعة، تحيط بها المخاطر فتنغمس في اجترار الماضي، حتى يجيء هروبها الأخير عقب تجربة اختطاف مريرة مرت بها، ليبرهن على أن أظافرها التي نشبتها في جغرافية بغداد، لن تنكسر ولو تناوبت عليها مطارق الخطر. أمل أخير يلوح في أواخر الصفحات، رجل هارب من الجحيم يعهد لها بطفل ترعاه وقد شق عليه أن يحمل ثلاثة أطفال دفعة واحدة فيما هو يركض خائر القوى، ومكالمة هاتفية تستقبلها قمر، توحي بأن الوطن الذي تشبثت به كنطفة في جدار الرحم، قد يتسع، ليشملها بالدفء المنشود، تحمل قمر الطفل وتحتمي من الرصاصات في مدينة الألعاب المهجورة، حيث تلتجئ إلى قطار آخر معطوب، للعبة خربة، تفتقد ضجيج الأطفال.