وصف الكتاب:
يَسْعَى الدكتور قاسم بن محمد الصالحي من خلال كتابه "العوامل الأساسية في تاريخ الدبلوماسية العمانية"، الذي صدر عن مؤسسة بيت الغشام، إلى تقديم دراسة تتوسَّم فهم التميز في الدبلوماسية العُمانية عن غيرها؛ انطلاقاً مما ارتكز عليه الوجود البشري من تواصل مستمر، وترابط متوالٍ للعلاقات، وما جُبلت عليه حياة الفرد والمجتمع بصفة طبيعية منذ النشأة الأولى، وما تجلت به الدولة العُمانية على وجه الخصوص عند مختلف المحطات الحضارية، وما سجَّلته من رقي إنساني وتطور بارز، حافل بإبداعات وقدرات مادية ومعنوية متجددة متحدية للطبيعة، فشكلت منعطفات رئيسة في مصير ومسار حياة الإنسان العُماني. وفي السياق، يقول المؤلف: إن الدبلوماسية العُمانية في محيطها العربي والإسلامي، تعني مجمل الممارسات العُمانية في أبعادها المتداخلة والمتفاعلة، من مواقف سياسية ومبادرات، وأيضا من سياسة اقتصادية وتجارية وثقافية، وكذا انشغالاتها الأساسية في المنطقة، التي تتمثل في الحفاظ على السيادة والمصالح الوطنية العُمانية، والاهتمام بمسألة التوازن الإقليمي بالمنطقة في ظل وجود الخلافات والاختلافات بين الجيران الإقليميين؛ لذا فهي عبارة عن ترجمة حقيقية لتصورات جلالة السلطان وأهدافه التي تسير في اتجاه دعم حلقات الانتماء العربي والإسلامي. وتظهر بالتالي -كما يؤكد الدكتور قاسم الصالحي- صعوبة فصل العوامل الداخلية وبلورة دورها بكل وضوح في تحديد السلوك الخارجي. وبالنسبة لعُمان، فإن الترتيب المؤسساتي لدور هذه العوامل يضع أهم مكون من مكونات الحقل السياسي العُماني على رأس العمل الدبلوماسي، ويتعلق الأمر بالمؤسسة السلطانية؛ حيث يعهد النظام الأساسي للدولة إلى جلالة السلطان الإشراف على وضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، وتجسيد مفهوم المجال المحفوظ لجلالته في ميدان السياسة الخارجية، إلا أن المؤثرات التاريخية التي نمت وترعرعت في المجتمع الوطني على المستوى الداخلي، لعبت دورا رياديا في إبراز هذه السياسة، وتجذرت تدريجيا في الثقافة السياسية للمواطن العُماني، وهذه المبادئ تركز على السيادة الوطنية، والتضامن العربي والإسلامي، وعلى هذا الأساس فرض جلالة السلطان قابوس بن سعيد حضوره على الساحة الإقليمية والدولية من خلال توظيف مؤهلاته الذاتية؛ فشخصيته هي التي أعطت في الواقع لعُمان مركزاً مهمًّا وحضوراً في كافة المنتديات واللقاءات والمؤتمرات والمفاوضات التي تُعهد إليها للقيام بدور المفاوض في القضايا العربية والإسلامية والدولية. ويضيف المؤلف: لا نبالغ عندما نقر أن السلوك العُماني الواعي والعقلاني في اختيارات السياسة الخارجية أصبح أمرا واضحا لعدم جدوى الدوران في فلك مشاريع تعرضت لزلازل وهزات متكررة منذ حرب الخليج والغزو الأمريكي للعراق، وصولا لتداعيات الربيع العربي، كذلك الأمر بالنسبة للعمل الخليجي الذي يعاني من جمود كامل بسبب الخلل في البُنى السياسية والأمنية بين بعض دولة. ويرصد المؤلف دور عُمان التي عملت منذ السبعينيات على دعم الارتباط الجماعي، وتوجت هذه الجهود بتأسيس روابط وتجمعات إقليمية، وظلت وفية للنهج نفسه في دعمها للجيران، والبلدان الشقيقة والصديقة، والمشاركة في حل النزاعات العسكرية بالطرق السلمية، ولم تعرف هذه الدينامية الإيجابية لعُمان فتوراً حتى في ظل رواسب الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وواصلت اهتمامها بالسلم العالمي، خاصة من خلال دعم العلاقات ثنائية الأطراف التي شكلت البوابة الرئيسة للاستمرار في تحسين موقعها، لاسيما مع صعود تيار من الدول التي تدور في فلك المعسكر الشرقي، والذي كان يعرقل عُمان حينها في بناء نهضتها، وقد تمسكت بشعار الشراكة من أجل السلام المترسخة أساسا في الوعي الجمعي العُماني، وواصلت جهودها الدبلوماسية لحل النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية.