وصف الكتاب:
عبر روايته السابعة والجديدة “الرجل الرابع” يستعيد الروائي محمد بن سيف الرحبي اللغة الشعرية في الكتابة السردية التي بدأت واضحة كبطل أول في روايته الأولى “رحلة أبو زيد العماني” قبل نحو عشرين عاما، لتأتي في عمله الجديد متدفقة في التعامل مع الحدث الذي لا يبدو معقدا، بل بسيطا وواضحا من خلال البطل (مدرس الفيزياء) الذي يلتقي الفتاة الشاعرة فيجد كل منهما في الآخر ما يجذبه إلى استعادة زمنه، السعادة المفقودة، أو الحياة بمفهوم مختلف رغم أنف الخيبات والغيابات. يأخذ الرحبي قارئه إلى غموض الحكاية كما حدث في روايته “اسمها هند” لتبدو الأحداث متماسة جدا مع الواقع، فلا يكاد القاريء يفصل كثيرا بين المتخيل والواقعي، فيشير في الاهداء أنه “أليها وهي تعل أنه إليها” ليقع في ظن القاريء أن ثمة أنثى حقيقية حاضرة في المشهد السردي المقبل عليه عبر أحداث الرواية، محددا الأمكنة بدقة، تبدأ من النادي الثقافي ولا تنتهي عبر محطات عديدة على الشارع السريع والربوة المطلة على المطار. الحكاية تسرد قصة الرجل الستيني الذي يلتقي الفتاة العشرينية، وكل منهما في داخله فراغات ينتظر ما يملؤها، هو مع غروب شمسه، وهي مع شروقها، كما تشير اللوحتين المشار إليهما داخل الرواية، وهي تتكون من ستة فصول أساسية، دالة على الحواس الخمس إضافة إلى الحاسة السادسة التي تتدخل في تحديد مجموعة من المقاربات بين الشخصيتين فيما يتعلق بالاهتمامات والرؤى، ويمثل كل فصل الصوت الذي يتبعه الصدى كلوحة تتحدث بصوت سردي مختلف، يشير إلى التشظي داخل شخصية الرجل الذي يواجه جسده المتداعي تحت بوادر مرض يسلبه منه، فيخاطبه السارد بالقول: “حينما يأوي المتعبون إلى عتبات أحلامهم تأوي إلى خيباتك تسائل جراحك عن عمقها في الروح، عن أي شريان وصله نصل الغياب فتمزق، رغم أنك مثقل بالغيابات، ومع ذلك تعاود الكرّة، كأنما مسبحة قلبك لا نهاية لحبّاتها. ضائع في زمنك، وزمنها.. يتقاذفك زمنان، زمن تمسك بفوهة بركانه، وزمنها المتسلل من مسامات جسدك كله، من باطن وعيك، ولا وعيك”.. يحاول البطلان تجسير الهوة بين زمنيهما، هي تريده الرجل المختزل لكل الرجال الثلاثة في حياتها (الأب المتوفي والأستاذ الذي أحبته فغاب أيضا، والزوج الغائب بشكل ما عن وجودها”، لكن زمنيهما لا يلتقيان إلا في فواصل لا تبدو متاحة دوما، رغم التحليق الحالم، والبحث عن بقعة قصية تتسع لأحلامهما معا. يذكر أن رواية “الرجل الرابع” تأتي بعد ست روايات لمحمد الرحبي بدأت من رحلة أبو زيد العماني عام 2000، ثم توالت بعدها “الخشت” و”السيد مر من هنا” و”الشويرة” و”اسمها هند” و”حيتان شريفة”، كما أنها الاصدار الثاني والثلاثين للكاتب محمد الرحبي بعد مجموعة من الأعمال الأدبية التي قدمها على مدار ربع قرن من الكتابة، بدأها بمجموعة قصصية عنوانها بوابات المدينة عام 1994، واستمرت الرحلة حتى اليوم.