وصف الكتاب:
يُبحر بنا الكاتب أمير آل سالم في سفينة الحياة، يمر بنا إلى محطات كثيرة من مراحل عمر بطل شخصية روايته الأولى «قطون»، تلك الرواية التي تحمل نفس اسم بطلها «قطون .. موت قبل الوفاة». و«قطون» نال هذا اللقب من جدته، فقد كان طفلا شديد البياض ممتلئ الخدين فأسمته جدته «قطون» نسبة إلى القطن. يتدرج أمير في سرد حكايات «قطون»، منذ الولادة إلى إلى خاتمة الرواية، خاتمة ليست كالختام!. يسارد أمير تفاصيل كثيرة من التناقضات التي يعيشها الإنسان بطبيعته، لتتجلى صورة الإنسان الذي يعيش المتناقضات بطبيعة الحال، كل تناقض يبرره مقتضى الحال في تلك الفترة من الحياة، فحينا يكون صالحا بغلاف سيئ، وحينا يكون سيئا بغلاف صالح، ولكل حالة مبرراتها، ولكن من منظور بطل الراوية «قطون» ذي الشخصية الفريدة، غريبة الأطوار، والتي ستتضح ملامحها أكثر وأكثر كلما قرأت فصول الرواية وتسلسلت في أحداثها. يكتب أمير في الغلاف الأخيرة من الرواية على لسان «قطون»: «اختلفت عن الجميع بكمال عقلي عند ولادتي، ولا أقصد بالكمال كل تفصيل يرنو للكمال، إلا أنني مدرك لما يدور من حولي تمام الإدراك، لست كأي طفل يكسب من والديه ومحيطه ما يغيره مباشرة، فأنا أحلل وأفكر، أيضا فطرتي وبراءتي سلمت من جميع المتغيرات المحيطة، كنت أحميها بواقع الأمر، المتغير الوحيد الذي كنت أحاكيه هو ردات فعلي، كنت أدرس الحالات والقصص التي يمر بها من حولي، وابني منها قاعدة بيانية في حال أني مررت بمثل هذه الأوضاع مستقبلا، كونت لقلبي ولعقلي جهاز مناعة صلب، لا يمكن اختراقه بسهولة، لن أقول أنه من المستحيل اختراقه وإلا لن يكون هذا النص بين أيديكم من الأساس، ستفهمون ما أقصد لاحقا». هنا يقدم أمير ملامح «قطون» لتجده الرواية مختلفًا عن المحيطين به، لا يترك البديهيات تمر دون سؤال الذات وتفكر الباحث عن إجابة شافية، وغالبا يستطيع تحليل ما حوله بمفرده حتى يكتفي بذاته عن الآخرين في الحصول على الإجابات المقنعة. لا يعني ذلك أن «قطون» مكتف بذاته، فقد كانت له علاقاته الاجتماعية الفريدة نوعًا ما، لعيش بتلك الشخصية أحداثا متعددة عبر مراحل حياته المنوعة والمليئة بالمحطات التي تصنع تفاصيل الرواية وحبكتها التي لا تسير كما اعتقد «قطون» وكما وثق من نفسه وقدراته العقلية، ومنها أن الموافق التي لم يقتنع يوما أنها ستكون سببا في بكائه -لأنها بديهيات- ستبكيه فعلًا ليعيش شعورا غريبا يصارع بها قناعاته فتغلبه! وما تلك إلا محطة واحدة من محطات تناقضات عديدة. لا يكتفي «قطون» بسرد الأحداث فقط، بل تجده يفسر ما حوله، صانعا فلسفة حياة خاصة به، وفكر إنسان اعتاد على تمرين عقله منذ الطفولة على البحث والترصد ومراقبة سلوكيات المحيطين به. قد يشعر القارئ للرواية أن هناك خلطا بين الكاتب «أمير» والراوي «قطون»، وقد يتجلى ذلك الشعور في فصول عن فصول أخرى، فتجد السرد حينا على لسان «قطون» الذي يحمل وجهة نظر ما، لينتقل من السرد إلى مخاطبة القارئ مبررًا لما يفكر فيه، وقد تكون وقاية للكاتب من هجوم الجمهور لفكرة ما، فتجد عبارات متكررة تخاطب القارئ بشكل صريح بـ«عزيزي القارئ»، ما أحدث -بالنسبة لي- نوعا من الخروج من جو الرواية، وقد لا يتفق معي قُراء آخرون. ويضيف المؤلف في تمهيده: “المعرفة، هذا القدر الذي أحاط بنا منذ أن قال الله عز وجل للملائكة ”إني جاعل في الأرض خليفة”. هذه السحابة التي نمطرها رعدا وبرقا ليلا ونهارا، نسيل أوديتها أملا وطمعا، تأتينا تحمل بين طياتها ثروة إنسانيتنا، يتوارثها الناس جيلا بعد جيل، تذكرنا بنا، بكينونتنا، بإنسانيتنا. معجونة هي في طيننا وروحنا، ترتحل بيننا وتقيم فينا دون الحاجة إلى إجراءات لدخولها سوى تأشيرة الرغبة في معرفتها عن قرب والإنصات لها، لتوسع مداركنا وتلهب حماسنا الهائم فوق براكين صقيع المجهول”. ويستطرد المؤلف موضحا: “تخطب بصيرتنا ودّ بصرنا، نسمع وقع خطوات الفكرة، هي آتية لا محالة. نحس أنفاس معانيها وهي تحتضن آذاننا الساجدة في محراب الإنصات والاستشراف، على مساحات ضيقة متوارية بين أسطر متزاحمة، فوق ورقة بيضاء ناصعة عادت للتو من وداع آخر قطرة حبر أجهضت آخر زفراتها. رحابة فكرة جديدة ولدت منتشية، بداية البدايات في المعلومة الأهم لنا، خمس كلمات “إني جاعل في الأرض خليفة”، هيبة لحظاتها الأولى ووقع ما حدث فيها وعظيم ما ترسخ عنها. اليوم الأول للإنسان، والأيام التالية، يوم جدي وجدّك! يومي الأول، يومك الأول، وإلى قيام الساعة”.