وصف الكتاب:
فُتحت الأبواب وأخذني الحراس لغير سرداب، وأدخلتُ بعدها لكهف عظيم أضاءته آلاف مؤلفة من القناديل الصغيرة، وليت وجهي شطر القاعة؛ فإذا بي أرى مجموعة من الحبار، وقد تذيّلت سابحة بعرش سلطان تربع فيه مارد ضخم بعباءته السوداء، بدا وكأنه كبير الأحبار أحاط به الزعماء، بسط رداءه بعد أن مدّد أذرعه الطويلة ذات المجسات الثقيلة ليتحسس كل شبر من فرائصي المرتعبة، أومأ لي برأسه التي حملت دماغا وسعت مكر كل المحيطات، ثم دعاني للمثول أمامه بحزم وثبات، اقتربت حتى تبينت عن كثب عينيه الواسعتين، التي أخفت خلفها أطماع الأكوان حتى سألني: ما الذي جاء بك هنا؟ ففكرت قليلا لأنجو بنفسي وأخرج بأمان، علني أعود سالما للأوطان فأنبه قريتي من قدوم الطوفان، فقلتُ له: لقد جئتك يا مولاي بمفاتيح الجزيرة.. طمعاً وكرماً، بأن تنصبني عليها لك خليفة.. ثم أتبع القول أمجده بالمديح والثناء؛ حتى خلى عني وأطلقني، بعد أن دللته على مكان قومي. قد علمت بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والكلام وحده لا يكفي لتغيير الواقع، وأن التصفيق بيد منفردة لا يحدث صوتاً، وأن مغادرة الأوطان سيسبب الهلاك والدمار، طالما هذا المارد يتربص بنا في القاع، فإن لم نستفق من تكاسلنا وغفوتنا سنكون لقمة سائغة لمن يتربص.