وصف الكتاب:
لا تدري تكوشين، ما الذي جعلها تدندن بكلمات الأغاني، وهي في الصندوق الخلفي للسيارة، المسرعة باتجاه كوباني، تتخطى بها هذه السياره الأبنية المتهدمة، والشوارع المتكدسة بجثث متناثرة هنا وهناك على الأرصفة، أو في وسط الطريق، ومتجاوزة كل الحفرة التي خلفتها تلك الصواريخ والقذائف، والتي جعلت من الطريق مضماراً لمتسابقي القفز على الحواجز، فتتجاوز بسرعتها كل النقاط العسكرية لوحدات حماية الشعب والمرأة، التي تحيط بالمدينة، وتمنع عناصر تنظيم داعش من الهجوم عليها من داخل المدينة أو من خارجها، ومعلنة بأصوات أبواقها، فتح الطريق مرور مقاتلة جريحة تنزف دماء ممزوجة بالدموع، كانت تكوشين تغني بصوت مبحوح، وكأنها تريد أن تعود لطفولتها الأولى، فتتذكّر والدها الذي كان يحملها على كتفه، لتغني في احتفالات نوروز. الساعة الآن قد تجاوزت الثانية عشرة ظهرا، والشمس وقتها في كبد السماء تزاحم بنورها كل شيء، وتبعث بشعاعها الوهاج للأرض التي ساد فيها الظلام قبل مدة فتنيره، وتحرق أجساد المجرمين بنارها، لتطهر الأرض من رجسهم، معلنة بنورها اقتراب ساعة النصر فالطريق من منبج إلى كوباني قد يستغرق وقتا ليس بقليل حتى تصل السيارة بجسدها المكلوم إلى المشفي، ومع كل دقيقة كان صوت تكوشين يخبو، ومعها يزداد قلق الرفاق الذين يرافقونها في السيارة، فتترقرق الدموع في عيونهم، حين كانت تغني، ظناً منهم أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، و ستفارق الحياة في أية لحظة، لكن تكوشين، استمرت بالغناء، رغم الألم، لترسل بكلماتها رسائل إلى والديها وإلى كل المقاتلين في الجبهات، ألا تستسلموا لجبروتهم، واجعلوا من بنادقكم قلاعا وحصونا، تحميكم شرور الأعداء وتمنحكم القوة، فلا تتركوها وتمسكوا بها، فنهاية الألم والظلام بات قاب قوسين أو أدنى.