وصف الكتاب:
يتناول الكتاب بصفة أساسية لقاء تم بين المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميت والرئيس المصرى الراحل أنور السادات في رحلة نيلية في ديسمبر 1977، حيث تخلل هذه الجلسة حديث طويل بين السياسيين الكبيرين حول الدين ودوره. ويعرض المؤلف هنا كيف شكَّل هذا اللقاء وهذا الحديث نقطة تحول جذري في موقف هيلموت شميت من أهمية الدين في السياسة. بعد هذا اللقاء، اكتسب الدين مفهومًا جديدًا لدى هيلموت شميت، وكيف يُمكن تحقيق السلام العالمي من خلال ذلك. فأتباع الديانات التوحيدية الثلاث "اليهودية والمسيحية والإسلام" كلهم جاءوا من أصل واحد وأب واحد، من النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما أن هذه الديانات الثلاث تعرف إلهًا واحدًا. هذه الحقيقة إذا فطنوا إليها لن يجدوا سببًا للعداوة والكراهية والشعور بالفوقية على الآخرين. فقوة الإيمان قادرة على الالتزام بتحقيق السلام ونبذ الكراهية؛ لأنها أكبر بكثير من مجرد المصالح المادية المشتركة. وقد تم الاحتفاء بالنسخة الألمانية للكتاب وقت صدورها في السفارة المصرية ببرلين في ديسمبر 2018 بينما تم الاحتفاء به في السفارة الألمانية بالقاهرة في فبراير 2019. ـــ رحلة "هيلموت شميت" إلى النِّيل.. ديسمبر 1977 في نهاية ديسمبر 1977، سافر "هيلموت شميت" مع زوجته "لوكي" في زيارة رسمية إلى ضفاف النيل، وكانت هذه هي رحلته الأولى إلى مصر. كان الجزء الرسمي الخاص بالعمل في هذه الزيارة في الفترة من 27 إلى 29 ديسمبر، تليه إجازة خاصة حتى 6 يناير لزيارة المواقع الأثرية في صعيد مصر. ورافق الزوجين في هذه الرحلة "كلاوس بولينج"، رئيس المكتب الاتحادي للصحافة والمعلومات في الحكومة الاتحادية، والدكتور "كلاوس ديتر لايستر"، رئيس مكتب المستشار وبصحبته زوجته وهي ضابط طبيب حصلت على تفرغ من وزارة الدفاع، والسكرتير الشخصي للمستشار وسبعة من ضباط الأمن. ولا يزال الجدول الزمني للبرنامج الشخصي للمُستشار لزيارة الآثار الذي أعدَّ بواسطة البروتوكول الألماني محفوظًا في أرشيف "هيلموت شميت"، حتى إنني تمكنت من إعادة تتبع هذه الرحلة خطوة بخطوة. _ في زيارة رسمية لمصر كان هدف هذه الزيارة الرسمية في بداية الأمر في المقام الأول مصالح سياسية عملية. وكان "السادات" قد زار "بون" في وقت سابق بالفعل في مارس 1976، ثم في أوائل أبريل 1977، مما ساهم في التأسيس لـ"علاقة شخصية ودية" بينه وبين "هيلموت شميت"، وهذا هو السبب في أن كليهما أصبحا الآن يستخدمان أسلوب الخطاب الشخصي للغاية، مثل "صديقي العزيز"، أو "صديقي المحترم"، لكنهما كانا في الوقت نفسه يدركان الوضع السياسي غير المستقر في الشرق الأوسط، والذي أصبح بعد رحلة السادات من أجل السلام أكثر سهولة وأكثر تعقيدًا في الوقت ذاته. فقد أصبح أسهل؛ لأن "السادات" أبدى رغبة حقيقية في السلام على خلاف ما كان متوقعًا من رئيس لبلد عربي. وزاد صعوبة لأن "السادات" جلب على نفسه الحنق والغضب، وربما الرفض المدفوع بالكراهية من جانب عديد من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط. و"هيلموت شميت" كان يعرف ذلك. وبالتالي فقد كان "شميت" مجبرًا في هذه الزيارة الرسمية على القيام بموازنة دبلوماسية، أو بالأحرى السير على خط وسط بين تأييد مهمة "السادات" من أجل السلام من جهة، ومراعاة حقوق ومصالح الفلسطينيين من جهة أخرى. على أي حال، لا تتصور السياسة الألمانية اتخاذ مسارٍ منفردٍ في الشرق الأوسط، فهي جزء من السياسة الأوروبية والعالمية. كما أن رؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي التسعة قد اعترفوا في إعلان الشرق الأوسط الصادر عنهم يوم 29 يونيو 1977 بحق الفلسطينيين الأساسي في أن تكون لهم دولتهم. وقبل ذلك بيومين، وافقت الحكومة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس "جيمي كارتر" بصفة مبدئية على مطلب الفلسطينيين في أن يعيشوا في ظل اتحاد حكومي منفصل. كما أن "هيلموت شميت" كان يعي أيضًا جيدًا أن مشاركة الروس أمر حتمي. فهم في النهاية أحد المشاركين في رئاسة مؤتمر "جنيف" حول الشرق الأوسط. وبالتالي، يجب على المستشار، مع تأييده التام لمُبادرة "السادات" للسلام، ألا يترك انطباعًا بأن هذه السياسة موجهة ضد موسكو، أو أنها تستهدف تهميش الروس في هذه المنطقة الرئيسية من السياسة العالمية. من ناحية أخرى، تستطيع الجمهورية الاتحادية أن تقدم كثيرًا لمصر، لأن مصلحتها في استقرار نظام "السادات" كبيرة؛ إذ يُمكن مساعدة "الصديق" ودعمه سياسيًّا، وبالأخص من خلال المساعدات الاقتصادية. كان "شميت" يعرف أن ملعب السياسة الخارجية سيزداد اتساعًا أمام "السادات"، وسيُتيح له دورًا أكبر كلما تناقصت المشاكل الاقتصادية في الداخل. وهذا بالتحديد ما طلبه "السادات". فقبل أسبوع فقط من الزيارة الرسمية للمستشار في 22 ديسمبر، أجرى رئيس مجلة "شتيرن" التي تصدر من "هامبورج" مقابلة مع "السادات"، شرح فيها الأخير مدى إعجابه بـ"هيلموت شميت"، بل كان مجاملًا لدرجة ذكر فيها أن الألمان يتمتعون بشعبية كبيرة في مصر، وأنهم "جريئون" و"موهوبون في مجالات العلوم والمجال العسكري والاختراعات". وقال إن الوقت قد حان كي يقدم الألمان "يد العون" لمصر، ثم أجاب عن سؤال عما إذا كانت "بون" تستطيع أن تساعد مصر "على المستوى السياسي" أيضًا، وأجاب: "نعم، لقد ناقشت هذا الأمر بالفعل مع شميت، وهو مستعد للمشاركة في التسوية السلمية الدولية في الشرق الأوسط" (Stern، Nr. 53، 1977). و"هيلموت شميت" يساعد مصر بطريقة عملية تمامًا، كما فعل غيره من رؤساء الحكومات الاتحادية السابقة أيضًا. فخلال زيارته الرسمية، على سبيل المثال، وعد الرئيس بزيادة رأس المال الألماني بمقدار 250 مليون مارك ألماني في عام 1978، وهو المبلغ نفسه الذي تلقته مصر في عام 1977. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك أيضًا مبلغ إضافي بقيمة 60 مليونًا مرتبط بشراء سيارات من جمهورية ألمانيا الاتحادية. وأخيرًا، ينبغي رفع ضمانات "هيرميس" المضمونة من قبل الدولة من 550 إلى 750 مليون مارك ألماني لأسباب عُليا تتعلق بالسياسة الخارجية. "بُعد النظر" و"الشجاعة الشخصية"...مائدة مستديرة في القاهرة