وصف الكتاب:
يعتبر ابن عربي من أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ الإسلامي، في العالم الإسلامي نفسه، وربما لم يمارس أحد تأثيراً أكثر عمقاً وأكثر انتشاراً في الحياة الفكرية للمجتمع خلال السبعمائة عام الماضية أكثر منه. ومن ثم، وكما قد يتوقع المرء، فإن أعماله وحياته كانت دائماً موضع خلاف؛ وقد كُرس أدب ضخم ودراسة أكاديمية واسعة لعمله الذي لا نظير له ولدوره التاريخي المميز ولشخصيته لقد سبق ابن عربي التفكيكية والبنيوية بثمانية قرون، ولا يتناقض ابن عربي مع الرأي القائل بأن النص عميق إلى ما لانهاية، ويحمل معاني ممكنة لا حصر لها، وهو – أي النص – خصب للقراءات الممكنة المتعددة. فهو لا يدافع فقط عن الانفتاح على المعاني المختلفة، والقدرة على البحث عن إمكانات القراءة الجديدة والحفر المستمر للنص كشرط ضروري للتعبير نحو النص، وإنما أيضاً يرى هذا الانفتاح في البحث طريقاً رئيسياً نحو الحكمة والمعرفة الذاتية. وهذا الموقف عنده هو صوت تفكيكي، والذي يمكن مقارنته بأحد أشهر المفكرين التفكيكيين: جاك دريدا ما يدين به أليغييري دانتي لابن عربي، أو على الأقل للصوفية التابعين لمدرسته، فقد استفاد من أوصافه للآخرة واستوحاها فنياً في قصيدته الخالدة “الكوميديا الإلهية”. فالواقع أن الشاعر دانتي استطاع أن يجد في مؤلفات ابن عربي، وفي “الفتوحات” على وجه التخصيص، الإطار العام لقصيدته، أعني التخييل الشعري لرحلة مليئة بالأسرار إلى مناطق الآخرة، وما تنطوي عليه من معان رمزية، كما وجد فيها المستويات الهندسية لبناء الجحيم والفردوس، واللمحات العامة التي تزين مناظر هذه الدراما السامية، والتصوير العيني المجسم لحياة الأبرار السعيدة المجيدة، والرؤيا الطوباوية للنور الإلهي وما يصاحبها من وجدٍ وتجلٍّ