وصف الكتاب:
في يوم ممطر، وفي مدينة متخيلة ، يحجم المقترعون عن التوجه إلى صناديق الاقتراع حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. ثم يصلون جميعاً في الوقت نفسه. وعند إحصاء الأصوات يتبين أن نحو ثلاثة أرباع المقترعين وضعوا في الصناديق أوراقاً بيضاء. وبعد أسبوع من حالة ذعر تسيطر على الحكومة تجري عملية الاقتراع مرة أخرى في يوم مشمس فتأتي النتيجة صادمة حيث يلقي ثلاثة وثمانون في المائة من الناخبين بأوراقهم بيضاء. تبدأ القوى السياسية في التحري عن هذا الأمر العجيب الذي لم يعرف له سابق في تاريخ هذه الدولة “الديمقراطية” كما يزعم ساستها، وبرغم أن الصوت الأبيض أي عدم إعطاء الفرد صوته لأي مرشح انتخابي هو حق مشروع إلا أنه عندما يطغى هذا الحق ويسود المشهد العام، يدق السياسيون ناقوس المؤامرات الخارجية والأجندات الأجنبية التي تريد زعزعة استقرار البلاد وتهديد أمنها القومي. في رواية “البصيرة” يقوم الكاتب جوزيه ساراماجو بسخريته المعتادة، وفانتازية عوالمه بتحويل سياسة القمع إلى سخرية لاذعة تفضح الديمقراطية التي تستهدف الفوز بأساليب ملتوية وتكاد تكون الرواية هي وجه العملة الآخر لروايته السابقة “العمى” التي يتخيل فيها أن مدينة مهجورة في بلد مجهول يصعقها وباء غريب هو فقدان بصر الجميع ماعدا امرأة واحدة ظلت الشاهدة الوحيدة على هذه الكارثة. مرة أخرى يشير الكاتب إلى الشر الكامن والمتأصل في دواخلنا فتدور أحداث روايته في الوسط السياسي، ومع القرارات الحكومية، والنزاعات الداخلية خلف المكاتب في مؤسسات الدولة، ولا يلقي الضوء على الشعب إلا قليلًا، فنرى الهلع الذي يسيطر على الساسة بعد فشلهم في تفسير ظاهرة الأصوات البيضاء، وطرقهم الملتوية في حفظ ماء وجههم أمام مؤيدي الحكم، وهم القلة من الشعب الذين لم يتركوا صوتًا أبيض في الانتخابات.