وصف الكتاب:
كانت أم مدحت قد جاوزت الخمسين من العمر .. وها هي خريطة الآلام .. وقد أبدع الزمن في تشكيلها في صورة خطوط حفرت علي وجهها .. فبدت امرأة يثقل كاهلها الفقر والحرمان .. إلا أنه أبقي لها هذه الإبتسامة التي لا تكاد تفارق وجهها .. وبريق الأمل ذاك الذي يشع من عينيها .. ولو أنها لم تعد تدري .. لم الأمل لا زال يصاحبها عنيدا .. كعنادها !.. ولا تفتأ تصارع .. صراعا مريرا .. لكي تبعد شبح اليأس عن قلبها .. وتزيل سحب الإنهزام والإنكسار من نفسها .. وكانت قد رضيت عن طيب خاطر .. بحياتها .. وألفتها .. بل وأحبتها شاكرة .. حامدة .. وكانت أقسي أيام حياتها وآلمها .. تلك التي أعقبت زواج جلال من المرأة الأخري .. وانقباض يده عنها .. مرغما .. فنزلت الضائقة ببيتها .. وانقطع جزء ليس بالقليل من النفقة التي كان يعطيها لها زوجها في أول كل شهر .. وتهددت الفاقة أسرتها البائسة .. وأجبرت علي الإستغناء عن كثير من أصناف المأكولات المكلفة .. واختزال النقود التي كانت تعتمدها لشراء الثياب .. والأدوات المنزلية .. وحتي الفاكهة .. وما ضاق صدرها .. وما غضبت .. فهي قانعة برزقها .. ورزق أسرتها .. ولم تنزو بعيدا عن الدنيا .. والناس .. كما لم يكن للفقر أي أثر سلبي في نفسها .. وكان عالمها لا يتعدي نطاق زوجها.. وأولادها الأربعة .. ولدين وبنتين .. فلا عم لهم .. ولا عمة .. ولا خال لهم .. ولا خالة .. فلم تكن منيرة .. ولا حتي زوجها .. من أهل الفيوم .. بل كانوا من القاهرة ..إلا أن الأسباب بأهلهما قد انقطعت .. ربما لضيق ذات اليد .. وليس لخلافات .. أو مشاكل .. أو جحود .. أقول أن السبب قد يكون عدم إمكانيات السفر والتزاور .. وهو ما يجعل الأقارب يكتفون بالإتصال التليفوني .. للإطمئنان .. وحتي مع مرور الزمن .. يقل الإتصال تدريجيا .. حتي ينقطع .. أو يكاد .. أما جيرانها من أهل الحي .. فكانت تتمتع بينهم بخفة الروح والدعابة اللطيفة .. واللسان الحلو .. وألفت النسوة .. وألفنها .. وأما الزوج فكان يأتي في الزيارة الأسبوعية .. كما الضيف .. وكان ذلك قبل أن يتزوج الزوجة الثانية .. فأصبح يأتي ربما مرة كل شهر .. وهو ما جعلها محور البيت الأول .. والتي تقوم بدور الأب .. في معظم الأحيان ..