وصف الكتاب:
توصف الإدارة العامة، بأنها شديدة التأثر بالمعرفة وبتكنولوجيا المعلومات، وبالتوجهات الإدارية الحديثة التي تبناها القطاع الخاص في ممارساته. وهذا ما يتوجب عليها ضرورة إعادة الهندسة والتصميم للتكيف والتأقلم مع هذه المعطيات، والتي تؤثر في النهاية على قرارات الأفراد وتعيد توجيهها. ولقد كان للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي دور كبير على تلك القرارات وزيادة عمليات التفاعل. في هذا السياق فإن الإدارة العامة تخلفت في الكثير من الأحيان عن مواكبة تلك التطورات التكنولوجية والمعرفية والإدارية بالشكل الذي يلبي تطلعات الأفراد والمنظمات، بسبب الأعطاب التي تصيبها بشكل متكرر، لدرجة أنها أصبحت أعطابًا إدارية مزمنة. تؤثر على درجة رضا المواطن، وتعرقل الاستثمارات والتنمية وتسيئ إلى سمعة الإدارة العمومية. وعليه فهي مطالبة اليوم بالاندماج الإيجابي للعمل في ظل بيئة شديدة التعقيد، من خلال الاعتماد على الموجهات الحديثة للإدارة والمستنبطة من الإدارة في القطاع الخاص. عرفت الإدارة العامة تحولات عميقة في بعض الدول الغربية السباقة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وكندا، والعديد من دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD، هذه التحولات مست المبادئ العامة للإدارة وطبيعة القوى المؤثرة فيها. فالفكر الإداري الحديث أعاد إنتاج الحلول الإدارية التي طبقت بنجاح في القطاع الخاص، وطالب بضرورة تبنيها في القطاع العام، فالحكومة الإلكترونية- مثلًا- ما هي إلا محاكاة للتجارة الإلكترونية، وأن رفع كفاءة الخدمة العمومية، يتطلب إدارة الجودة الشاملة في القطاع العام، وكذلك الأمر بالنسبة لإدارة المعرفة. الشراكة بين القطاع العام والخاص، والتي أصبحت ظاهرة في بعض الدول على غرار الصين، بل قطاع اقتصادي قائم بذاته- تحمل في طياتها الكثير من فرص التحديث للإدارة العامة، بل وُصِفت بأنها البيئة المناسبة للمساعدة في تبني المفاهيم والأساليب الإدارية الحديثة للقطاع العام. أهمية هذا النموذج من الشراكة والنقلة النوعية التي أحدثها في مشروعات البنية التحتية والرفع من أداء خدماتها، جعلتاه يتوسع إلى كل دول العالم، وازدادت أهميته خاصة بعد الأزمة المالية عام 2008، وسعت عدة أطراف إلى تدويله على غرار البنك الدولي وبعض الدول الصناعية الكبرى. تستهدف المستجدات السابقة الذكر، في مضامينها ضرورة أن تتجه الحكومات نحو إحضار المستقبل بدلًا من انتظاره، وأن تعيد هندسة وهيكلة وتصميم نفسها، لأن الأفراد اليوم أصبحوا يملكون المعرفة التي ترفع من مستوى تطلعاتهم لما يمكن لحكوماتهم أن تقدمه. بناء على ما سبق، يمكن طرح مجموعة مهمة من الأسئلة الرئيسة الأكثر إثارة للجدل، والتي تطرح في مجال الإدارة العامة وآليات عملها، كما يلي: -كيف تمارس الإدارة العامة وظائفها بكفاءة عالية؟ وكيف يمكن تقديم خدمة عامة بجودة عالية تحقق رضا وسعادة المواطن؟ -أصبحت الحكومات في الدول الرأسمالية المتقدمة أكثر تأثيرًا كمقدم للخدمات الاجتماعية، ومنتج للبضائع، وموجه للاقتصاد، ومستثمر لرأس المال، فما هي أسباب نمو هذا النشاط الحكومي؟ -كيف يمكن تحسين أداء المنظمات العامة من أجل التصدي بفعالية للتحديات المجتمعية؟ -كيف يمكن تطوير العمل الحكومي؟ وما المقصود بالمعرفة الحكومية والتميز الحكومي؟ -هل التسيير العمومي الجديد يمثل نقلة نوعية في دراسة الإدارة العامة؟ -هل يمكن فعلًا تطبيق بعض المفاهيم والأساليب الإدارية الحديثة والمطبقة بنجاح في القطاع الخاص في الإدارة العامة، بالرغم من اختلاف الأهداف وطبيعة وخصائص كل قطاع؟