وصف الكتاب:
إن منظمات اليوم تعيش في عالم متغيراته أكثر من ثوابته، وقد تسارعت وتعددت بفعل ظاهرة العولمة، حيث لم تعد المنظمات تعيش المتغيرات المحلية أو الإقليمية بل أيضاً المتغيرات العالمية كمنطلق أساس لبلوغ كفاءة وفعالية الأداء، فضلاً عن ذلك أن المنظمة تعيش في حالة مشاركة ومبادلة مع بيئتـها، فهي بذلك تشبه الكائن الحي الذي يستمد من البيئة مقومات البقاء والنمو بوصفها المصدر الأساس الذي يمد المنظمة بالموارد، والإمكانيات المختلفة في صورة طاقة، ومواد، وعناصر بشرية، ومعلومات، وبيانات، كما تشتق أهدافها من النسق الأشمل- التقارب النظامي- وتتأثر مبادئها وقيمها بمبادئه وتتفق سياساتها مع سياساته كما تستمد منه المعايير وتسترشد بها في اختيار الأنشطة والأعمال التي تمارسها، كما تتحكم البيئة في سلوك المنظمة وإدارتها من خلال قدرتها على قبول أو رفض ما تنتجه بكونها المتلقي النهائي لمخرجات ونتائج عملياتها. إن التحدي الأساس الذي تواجهه الإدارة هو أن مكونات محيط المنظمة من تكنولوجيا ومعرفة وقيم واتجاهات ومنافسة مناخ الأعمال، كلها أضحت تتسم بالتعقد والديناميكية وعدم التيقن، ومن ثم أصبح السعي إلى إحداث تغيرات متتالية وبشكل مترابط ومخطط في الشكل التنظيمي والمفاهيم وقيم وثقافة المنظمة، ضرورة حتمية مما يجعل منها نظام مفتوح، وعامل مؤثر في تلك الظروف وليس مجرد مستجيب للتغيرات التي تطرأ عليها، إذ يتجلّى الدّور المتعاظم الذي أصبحت تقوم به المنظمة في الوقت الحاضر، في قيادة عملية التنمية الشاملة، حيث بات من المحتّم عليها بوصفها الأداة الأساس التي تستخدمها الدولة في تنفيذ سياساتها ومخططاتها التنموية أن تعمل على تنمية الموارد المتاحة خاصة البشريّة منها لكون العنصر البشري هو الفيصل بين التقدمّ والتخلف، ومقياس للنّجاح أو الفشل لأنّه المحور الأساس في العملية الإنتاجية الذي يحوّل العناصر الأخرى إلى قوة منتجة هائلة، وذلك لأنّ المشكلة الأساس التي تواجه المنظمات ليست تزويدها بما تحتاج إليه من قـوى عاملة بقدر ما هي في تنمية وتطوير وترشيد استغلال إمكانيات وقدرات القوى العاملة الحالية، لتتمكن من النّهوض بأعبائها الوظيفية وبالواجبات الموكّلة إليها، لذلك فإنه بالإمكان ملاحظة أن كثير من المنظمات الحكومية تعاني من مشكلة إعداد قيادات بديلة لتكون متوفرة عند ظهور الحاجة إليها، وهذا يُعد من الأمور التي تسبب غالبًا ضعف في أدائها وتعثر في خططها ومشاريعها نتيجة حصول الفراغ القيادي فيها، لذلك انتبه المختصين في علوم الإدارة لهذا المفصل الحيوي في بناء المنظمات وديمومتها. من المعلوم إن المنظمات والدوائر الحكومية لديها قيادات وأفراد رئيسيين يساهمون في نجاحها ويعدون مفاتيح أساس فيها، هؤلاء هم ثروة المنظمة ورأسمالها الفكري الذي يديمها ويطورها، والسؤال ماذا سيحصل لو خسرت المنظمة هؤلاء لأي سبب كان كالتقاعد، المرض، المنافسة وغيرها من الأسباب الطارئة؟ لذا وجب أن يكون هناك نظام لتعاقب الأجيال يؤسس للديمومة والاستمرارية. وهذا لن يكون أمرًا سهل التحقيق إلا إذا كان هناك برنامج مفصل يغطى كل المحاور المختصة بهذا البناء الحيوي لأي منظمة وما يمكن أن يحصل عندما يضطر أي قائد إداري لمغادرة موقعه حيث تتأثر الخطط والبرامج والرؤى الاستراتيجية، ومن أجل تحقيق النجاح والازدهار لأي منظمة وجب التخلص من هاجس المفاجئات غير المرغوبة والتي تؤدى بها إلى الاهتزاز وربما إلى الانكماش. ونجد من الضروري الإعداد الجيد لمواجهة التغيير من خلال التخطيط المحكم المتضمن برامج رصينة معروفة لكل المعنيين بالمنظمة الحكومية وضمن إطار الشفافية العالية وبشكل لا يقبل الاجتهاد، لذا يجب الحرص على وجود خطة للقوى العاملة يتحدد فيها آلية الإحلال والتعاقب، كما يجب على الإدارات العليا أن تدرك دور القيادة وتأثيرها على واقع ومستقبل المنظمات الحكومية، ولا بد أن يكون الاهتمام فائقا لأهمية إعداد القيادات البديلة، حيث يحصل النمو والتطور وتصبح قدرة المنظمات الحكومية على إعداد جيل من القادة في الصف الثاني أمرًا لا مناص منه لمواجهة التغيير المقبل. إن مسألة إعداد قيادات الصف الثاني تعاني منها المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة. وكلا الأمرين متشابهين، إلا أن القطاع الخاص لديه تجارب عديدة في إعداد القادة والاهتمام المفرط في بناء القيادات الواعدة التي يمكن أن تحقق الاستمرارية والديمومة والتطوير. وبما أن القيادة تُعرف على إنها عملية تعتمد على كسب ثقة المرؤوسين واحترامهم ورفع معنوياتهم لجعل التفافهم حول القائد وإطاعة الإدارة وتحقيق الأهداف المطلوبة، وبما أن القائد وحسب الدراسات المختلفة يحتاج إلى قوة العقل فإن إعداده مسألة شاقة، ومن الضروري أن تهتم المنظمات الحكومية أو المؤسسات في هذا الأمر وبشكل كبير، فالقيادة الفعلية هي التي تسعى إلى دعم وتطوير الأفراد من حيث المشاركة في صناعة القرار، ومنح التفويض المناسب للموظف المناسب في الوقت المناسب، إذ أن الاهتمام المستمر بتدريب قيادات الصّف الثاني في المنظمات والمؤسسات الحكومية يُعد مِن أهمّ متطلبات القيادة الفعالة. وتبرز أهمية إعداد قيادات الصف الثاني في أنّها تعالج مشكلة أساس لفئة كبيرة من المجتمع وهي الموظفين العاملين في الدوائر والمنظمات الحكومية، حيث يرتبط هذا الموضوع بالموظف منذ بداية تعيينه وحتى إحالته إلى التقاعد، وذلك من خلال تدريبه وإعداده بشكل صحيح يساعده في تحمل المسؤوليات التي يضفيها عليه المنصب واتخاذ القرارات الرشيدة لتطوير أداء المرؤوسين وتقديم التغذية المرتدة له في الوقت المناسب. هذا أولاً، وثانيًا، في سعي المنظمة الدؤوب والدائم نحو التقدّم ورفع مستواها لتطوير أدائها التنافسي لتحقيق التمّيز من خلال تطوير أداء الموظفين العاملين فيها وإعدادهم إعدادًا سليمًا، سيما وإنّ إعداد قيادات الصف الثاني في الدوائر والمنظمات الحكومية يُعدّ إحدى السّياسات المهمة والأساس التي تساعد في تحقيق الأهداف العامة للمنظمة ومواجهة التحديات المفاجئة الناتجة عن غياب أو نقص في القيادات داخلها، فضلا عن تطوير العمل لتحقيق الأهداف الموضوعة.