وصف الكتاب:
الهاتف كان في بدايته اختراع مُنْقَطِع النظير، وتحول بعدها لخليل مُنْقَطِع البديل. هواتفنا لم تعُد شيئاً يساعدنا على الحياة، بل هي التي أصبحت تحتوي على حياتنا وأوقاتنا وذاكرتنا، وترتبطُ بمحض جبريتها بأحلامنا، وبكل ما ساعدناها في الوصول إليه حتى شرايين القلب وعدد دقاته ووقفاته وهفواته. حتى شهواتنا ورغباتنا وكل ما يفيض فينا من ليبدو أصبح يتدفق من هواتفنا التي امتلأت بها جيوبنا وآذاننا، وحطت الرحال في محطاتها طواعيةً أقدارنا. هواتفنا تجعلنا نمتطي حصان النجاح الذي يمشي مغمض العينين بين أنياب الفشل. بالهاتف نُصابُ بحُمى التواجُد القهري لمعرفتنا أنّ لا هاتف يُخْلِصُ لغائبه مادام كل هاتف يحمل العديد من الأرقام التي تبِينُ كلها خلف كلمة سِرٍ واحدة يحفظها أحدنا عن ظهر قلب. بعد أن أصبحت الأسرار أرقاماً ورموزاً نحفظُ بها ذكريات قد تعودُ لغيرنا أولئك الذين يبقون عالقين في أذهاننا مُحافظين على حرارة اللهفة، بعدما كانت الأسرارُ كقوانين الكون لا تُكتب إلاّ في الشدائد القصوى.