وصف الكتاب:
"أزرقُ ممّا أظن" نعم إنه فعلا أزرق وأعمق مما كنت أظن، ذلك العنوان الأيقونة والغريب من حيث الشكل، والمتناسب تماما مع وحي قصيدة العنوان، ومع الغلاف المرسوم عليه وشاح أزرقُ نيلي يهوي برقة ليثبت زرقته، تلك الزرقة الهادئة الجذابة والمغرية التي تتواطأ مع الحرف الفاعوري فتجذب القارئ من أول وهلة. ويوقِّع الشّاعر هدوء هذا الغلاف الأزرق بعنوانٍ خطَّه باللون الأحمر، كنبرة جمرة مقصدها الالتفات واستدراج القارئ إلى غموض الزرقة واسترخائها وإلى قوّة الاحمرار فينقاد إلى ما وراء البطاقة الأولى (الغلاف)، إلى الداخل دون مقاومة أو تلكؤ. والجدير بالذّكر أن الشاعر اختار كتابة اسمه على الغلاف باللون الأبيض فوق العنوان مباشرة كمن يقول: أنا هنا القائد فاتبعوا خطواتي، أنا العليم بكل الحروف، وقبل مغادرةِ جزئيةِ اللون، حريّ أن أعرج على مكانين، لمع فيهما اللون الأزرق دلالة على الاستشراف بالأمل وصوت السكينة: ((تعيد بأزرقَ ما تستطيعُ بياضَ الزمانِ الذي لم يحنْ. كأنّك أوّلُ هذا الغناءِ وآخرُ ما يستثير الشّجنْ)). وفي ختام القصيدة يقول في قفلة يبصم بها على وحي السكينة التام القادم من السماء: ((كأنّك صرتَ بريدَ السَّمَاءِ وأزرقَ أزرقَ ممّا أظنْ. وهو النّص ذاته الذي جعله مرفقا بجزء من لوحة الغلاف الأمامية، جعله في الغلاف الخلفي مع كلِّ البياض في فضاء الصفحة، عنوانا لاستشراف الأمل. (وسآتي إلى الفضاء الأبيض في هندسة النّص لاحقا). **** لم تكن القصيدة "أزرقُ ممّا أظن" هي الصدارة، بل كانت بين الصفحات، لأنها ليست شرارة البداية، ولأنها أيضا ليست المفصل، إنّما هي كلّ الحكاية، هي خلاصة لمجموعة راقية، وضعها الشاعر في المنتصف. وبعد أن مرّ القارئ عن جزء من القصائد، فأخذ فكرة عن الأسلوب والمواضيع، قرأ "أزرقُ مما أظن" ليتنبأ بالنّصف الثاني من المجموعة على سبيل تجميع أجزاء النّص الفاعوري وتركيبه في "أزرق مما أظن" كقصيدة أساس، كأنما يختبر قارئه ويمرنه على أسلوبٍ تبناه في نصوصه. ومع أن الشاعر علي الفاعوري أشهر من نار على علم، إلا أنّه أراد أن يبدأ كتابه، بتقديم من الشاعر كامل النّصيرات الذي أوفاه حقّه كاملا إلى الآن، مناشدا النقادَ الالتفاتَ إلى هذه النّصوص الشعرية المميّزة التي انبعثت من رماد الشعر الذي أوشك على الضياع، أو كما قال النّصيرات: ((بعد أن ضاع الشعر على أبواب وسائل التواصل الاجتماعي وامتطاه أعرج الخيال ومشلول اللغة، وفاقد الشيء الذي لن يستطيع أن يعطيَه مهما صفق وتصافق)). جاء هذا التقديم توطئة مناسبة لحرف فارس يعتلي صهوة الحرف حينا ويترجل لتقويم بعض الاعوجاج، بحدِّ سيفه أو نار منامه لكيِّ عيونه ((إذا كان في الكيِّ بعض العلاج)) "احتجاج". ويبدأ المجموعة بأمِّ الحياة لكلّ إنسان، في كلمات مقتضبه، لا تفي أي أمّ حقها، ويعلن عجز شعره، عن رثائها. بداية استسلام لنهضة أخرى في القصيدة التالية "صكّ اعتراف" حيث يرمي أوراقه بين يديْ أنثى، ويمضي دواليك بين صعود وخفوت لحفظ وتيرة التلقي.