وصف الكتاب:
واجه المفكر الفلسطيني البروفيسور إدوارد سعيد في حياته وعقب وفاته عام 2003 حملات ممنهجة من قبل الإعلام الصهيوني في أميركا، وبعض الصحف والمجلات المتعاطفة مع اليمين الصهيوني في أميركا وبريطانيا، فبعد أن وصفته مجلة كومنتري، قبل أكثر من عشر سنوات، بأنه "بروفيسور الإرهاب" نشرت المجلة نفسها مقالة إضافية لمحام يهودي أميركي يدعى جستس رايد فاينر يتهم فيها إدوارد سعيد بأنه زيف سيرته الذاتية واختلق قصّته ولا يصحّ أن يسمّي نفسه لاجئاً. وقد تبنت صحيفة "الديلي تلغراف" حملة واسعة ضد إدوارد سعيد. وتصدى الناقد د. فخري صالح للدفاع عن المفكر الكبير ليصدر كتابه "دفاعا عن إدوارد سعيد"، ليكون وثيقة تجمع الاتهام الذي وجهته له دوائر الفكر الصهيوني، المناصرة لإسرائيل، وشهادة أصدقائه، وما يصدر عن عمله من فكر عميق حر وخلاق يدافع عنه وعن سيرته الشخصية وسيرة شعبه. الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عام 2000 وصدرت أخيرا طبعته الثالثة عن دار خطوط وظلال الأردنية، وهي الطبعة التي قدم لها صالح بمقدمة جديدة مؤكدا أنها تأتي "في ظرف تتواتر فيه فصول المؤامرة المستمرة على القضية الفلسطينية؛ على الأرض والشعب، والسرديَّة الفلسطينية". وقال "إذا كانت الحماسة للدفاع عن إدوارد سعيد، وعن السرديَّة التي قدمها لسيرته الشخصية وسيرة شعبه، هي التي جعلتني أشتغل قبل عشرين عاماً على هذا الكتاب ترجمةً، وتأليفاً، وردّاً، وتوضيحاً، لبؤس الاتهام الذي ساقه المحامي الصهيوني ريد فاينر ضدَّ سيرة إدوارد الشخصية؛ ومن ثمَّ ضدَّ حكاية شعبه الفلسطيني، فإن السبب وراء إصدار هذه الطبعة هو أننا نواجه اليوم واحدة من أخطر المؤامرات على القضية الفلسطينية؛ صفقة القرن التي تسعى إلى محو فلسطين، وطمس الذاكرة، وتحويل الفلسطينيين إلى هنود حمر، إلى ذكرى شاحبة في ضمير العالم. وإذا كانت النكبةُ المستمرة التي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني، منذ مائة عام وأكثر، أي منذ أصدر وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور وعده بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، نتاجاً للحروب المتواصلة التي شنتها الحركة الصهيونية ودولتها العبرية على الوجود والهوية الفلسطينيين، فإن على رأس أجندة هذه الحرب المستمرة محاولةً دؤوبة لمحو السرديَّة الفلسطينية، وطرد الحكاية الفلسطينية من الذاكرة الإنسانية. وقد وجدت الصهيونية العالمية فرصتها في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتنفذ مخططها القديم المتجدد لمحو فلسطين، فهيأت لتطبيق ما سمته (صفقة القرن) التي تجرد الفلسطينيين من كل شيء، من الأرض والدولة؛ من المكان والذاكرة". وأضاف صالح أنه "انطلاقاً من هذا الظرف التاريخي الصعب، الذي يمر به الفلسطينيون، تبدو استعادة الحكاية الفلسطينية، من خلال الدفاع عن سيرة واحد من أبنائها "الذين ثبَّتوا هذه الحكاية في ضمير العالم، بوصفها واحدةً من أكثر عمليات الطرد والمحو في تاريخ البشرية بشاعةً وظلماً"، مسألةً أساسية، وشكلاً من أشكال الدفاع عن الهوية والوجود الفلسطينيين. وقد كان الهجومُ على إدوارد سعيد، وتشويهُ سيرته، والحطُّ من شأن منجزه المعرفي والثقافي، كواحد من أعلام والنقد والنظرية الأدبية الكبار خلال القرن العشرين، وسيلة للهجوم على القضية الفلسطينية، وتشويه سمعة الفلسطينيين، وجعل العالم يعتقد أن فلسطين كانت حقاً "أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض"! من هنا تبدو استعادة إدوارد سعيد، كمثقف عالمي كبير، ومنفيٍّ فلسطيني فقد بيته ووطنه، ضرورية لإبقاء الحكاية الفلسطينية مستمرة، ومقارعةً للسردية الصهيونية حول فلسطين. أدرج صالح مقدماته السابقة للكتاب في الطبعة الجديدة حيث أوضح في كلمته للطبعة الأولى "خلال صيف العام الماضي 2009 أطلق الإعلام الصهيوني الأميركي، وبعض الصحف والمجلات المتعاطفة مع اليمين الصهيوني في أميركا وبريطانيا، حملة جديدة على إدوارد سعيد؛ فبعد أن وصفته مجلة كومنتَري الأميركية الصهيونية، قبل أكثر من عشر سنوات، بأنه "بروفيسور الإرهاب"، نشرت المجلة نفسها في عددها في شهر سبتمبر/أيلول 1999 مقالة ضافية لمحام يهودي أميركي يدعى جستس ريد فاينر، يقيم في القدس ويعمل مع معهد مجهول يطلق على نفسه معهد القدس للأبحاث العامة، يتهم فيها إدوارد سعيد بأنه زيَّف سيرته الذاتية واختلق قصته، وأنه لم يدرس في مدرسة سان جورج في القدس، ولا يصح أن يسمي نفسه لاجئاً، فأهله كانوا أغنياء، وقد غادروا فلسطين قبل أن تسقط مدينة القدس نهائياً في أيدي عصابة الهاغاناه عام 1948. وقد تبنت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية الحملة ونشرت قبل صدور مقالة فاينر تغطية استعراضية لنتائج البحث الذي قام به المحامي اليهودي على مدار سنوات ثلاث حول أملاك عائلة إدوارد سعيد في مصر واستقرار والده في القاهرة لفترة طويلة. وقال "عندما صدرت سيرة إدوارد سعيد الذاتية (خارج المكان)، عن دار نشر ألفرد نوبف في نيويورك، في نهاية شهر سبتمبر/أيلول من العام 1999، تبيَّن أن الضجة التي أثارها فاينر كانت زوبعة في فنجان هدفها سياسي في الأساس يترافق مع بدء استحقاقات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وترمي إلى تكذيب الرواية الفلسطينية عن الاحتلال والسلب الذي بنى دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه. وقد كان إدوارد ضحية ملائمة لكونه مفكراً وناقداً وأكاديمياً لامعاً في أميركا والغرب، ولكونه في الآن نفسه مدافعاً صلباً عن حقوق الفلسطينيين في الصحافة والمجتمعات الأكاديمية وعلى شاشات التلفزيون في أميركا والعالم". ورأى أنه استناداً إلى هذه الوقائع، فإن هذا الكتاب يتصدى للهجوم الأعمى، المحتشد بالحقد وتنكُّب الحقائق، الذي شنه فاينر ودوائر الإعلام اليمينية الصهيونية التي روَّجت لمقالته. وقال "عملتُ لبيان حقائق الحملة على إدوارد سعيد على ترجمة مقالة فاينر بهوامشها التي تبلغ ضعف حجم المقالة نفسها، كما ترجمت مقالة للكاتب البريطاني كريستوفر هيتشنز يرد فيها على ما يعده "أصدق تعبير عن الحقد والكذب والزيف". وقد استعرضت ما كتبته الصحافة الأميركية حول الموضوع محاولاً إعطاء صورة عن المكانة الكبيرة التي يحتلها إدوارد سعيد في الثقافة الغربية المعاصرة، وذلك بهدف الكشف عن الأسباب الفعلية التي تقف وراء الحملة. كما أضفت، إلى دفاعي عن إدوارد سعيد، ثلاث مقالات عن عدد من كتبه التي تجلو طريقة نظره إلى معنى الهوية ومفهوم المثقف والمشاركة السياسية. وأظن أن تلك المقالات، التي تمثل فصول الكتاب الأخيرة، ضرورية ليتبين القارئ أسباب اختيار فاينر إدوارد سعيد ليشن عليه هجومه.