وصف الكتاب:
تبدأ الرواية الجديدة للشاعرة و الكاتبة مريم مشتاوي من مدينة الجسور "قسنطينة" الجزائرية، لتحكي قصة الصبية الجميلة "بايا" و عائلتها، فتعيدنا إلى جو الألفة و المحبة النقية.. فيه الجار فرداً لا يتجزأ من العائلة، و الجارة أمّاً ثانية تحتضن أبناء جارتها و ترعاهم تحت جناحيها بكل إخلاص، فيه أبواب البيوت يحرسها شعور الأمان و الحب و الطمأنينة، لا الأقفال. تتيح لنا الكاتبة مريم من خلال روايتها، التعرف على عدة حكايات عربية في لندن، يداعب شخوصها حنين لأوطان فقدوا فيها ما يبقيهم على قيد الحياة، و يقسو عليهم مهجر يمنحهم كل شيء إلا شعور الانتماء له، عمل مكثف بالمشاعر الإنسانية الصادقة بكل تنوعاتها، تتعرف فيه "بايا" على ذاتها و مكامن قوتها و ضعفها، و تدرك فيه أن أي منا قد يخذله قراره بالرحيل عن أرضه لسبب أو لآخر، وأن لحظة الوعي و التبصّر الصادقة، التي لا نصادفها كثيراً في غمار حياتنا، لا تترك للمكابرة مكاناً في أذهاننا، التي نضجت تحت نوازل ما تخيّلنا حدوثها لنا يوماً. تبدأ أهم فصول الرواية عند السيدة البريطانية "كليونا" التي احتضنت "بايا" و اهتمت بتعليمها و فتحت لها باب السفر إلى لندن في مسعى منها أن تتجاوز "بايا" عدة محن و خيبات حلت بها و بعائلتها. تسافر الصبية بخبرتها الغضّة إلى لندن المغلّفة ببرود علاقاتها و مجتمعها، لتُصدم بالفرق الشاسع بين مدينة الجسور و دفء روابطها، و مدينة الضباب و جفائها الذي صفع كرامتها، و أهانها في بيت شقيقة مولاتها "كليونا"، لتنطلق في مغامرتها اللندنية بالانتقال لبرج غرينفيل الغاص باللاجئين و المهاجرين العرب، و تبدأ عملاً بسيطاً كمساعدة لبائع تونسي في متجر الشرقيات الذي يملكه. في هذه الأثناء، تبتسم لندن بحذر لبايا، و تُعرّفها على شاب سوري نجا من قوارب الموت و براميله و كل أدواته حتى وصل إلى برج غرينفيل، ليبدأ قلب بطلتنا بالتوهج بحب رقيق يوقد شمعته على استحياء في ظلام وحدتها، لكن ابتسامة لندن لها لا تكتمل، و تسدد لكيانها الهش صفعة أُخرى أقسى من سابقتها حين يشب حريق هائل في البرج السكني، يلتهم ساكنيه و يحولهم إلى رماد يتطاير معه كل ما بقي لها من أحلام و آمال، و يعيدها إلى نقطة البدء، يتيمة وحيدة مكسورة الروح في مدينة غريبة بلا روح. السرد في هذه الرواية متقن و النص محبوك بلغة الكاتبة المميزة، لغة الشعراء الأنيقة، بلوحاتها الملونة بريشة مفردات لا تعرف التكرار أو التناسخ.. أذكر على سبيل المثال: (( أحنّ للسنوات الأولى التي توفيت فيها طفلتي، حينها كان حزني عليها مبرراً و كنت أرى نظرة المحبة من الأهل و تلك النظرات كانت تعزيني، أما الآن بعد مرور سنوات طويلة، فقد تبدلت تلك النظرات و اكتسبت معنى آخر لا يقل قسوة عن قسوة الموت الذي اغتصب روحي..تأكدت أنني فقدت مع السنوات حق الحزن باكراً و كأن حزني أصبح ذنباً أحمله إلى أن أموت )).