وصف الكتاب:
أنْ يكون الشاعرُ رسّاماً أو الرسّام شاعراً فتلك فضيلة ترفع شأن الفنَّين معاً إلى أعلى المراتب الممكنة شعراً ورسماً، وقد يتبادر السؤال هنا حول هذه العلاقة عن أيّهما أسبق وأيّهما أرفع وأيّهما أكثر تأثيراً في الآخر، ولا شكّ في أنّ الإجابة لن تكون سهلة على الإطلاق لأنّ العلاقة تبقى على قدر من الغموض الجميل الساحر، الذي لا يعطي نفسه بسهولة؛ أو بالأحرى لا يعطيها في نهاية الأمر إلا في سياق فهم دقيق لإشكاليّة هذه العلاقة وتموّجاتها وتفاصيلها الدقيقة، فللقصيدة مثل ما للوحة من حضور في الذائقة الجماليّة لدى مجتمع التلقّي الفنّي عموماً. لعلّ ما يعنيننا في هذا المقام على وجه الدقّة والتحديد هو كيفيّة تسرّب مياه التشكيليّ إلى واحة الشعريّ بدرجة معيّنة من الدرجات، لأجل إروائه وتموينه وإشباعه بما يتيسّر من الإمكانات الفنيّة التفصيليّة ذات الخصوصيّة التشكيليّة المميّزة لبلوغ حالة جماليّة شعريّة راقية، ليس بوسع القصيدة وحدها أن تصلها من دون حساسيّة هذه العلاقة على هذا المستوى من التفاعل والتأثير، وإذا كانت القصيدة تقوم على الغنائيّة في أعلى درجات تشكيلها الشعريّ اللغويّ والصوريّ، فإنّ الروافد التشكيليّة وغيرها تمنح هذا الوجود الغنائيّ طاقة أكبر على توسيع حدود الشعريّ وتعميق فعاليّة تماسكه النصيّ.