وصف الكتاب:
الواقعية الاجتماعية إحدى الأنماط السردية الأكثر شيوعا في عالم الرواية، كونها تمثل نافذة حية نطل من خلالها على الواقع المعاش، لكن برؤية فنية تتفاعل مع الملتقي بطريقة أكثر تقبلا واستساغة من الواقع الفج، عن طريق صناعة الخيال، وهذا ما عبر عن ذلك الروائي نجيب محفوظ بقوله (الفارق بين الحكاية المحضة والقصة الفنية هو الخيال).. في رواية (رواح الملائكة) للروائي إبراهيم حسين حسن، الصادرة عن دار سطور 2019 .. نجد سيادة هذا النمط السردي على السياق العام للنص، عبر أحداث اجتماعية واقعية، تتخللها رؤى وأحلام، تنطلق من معاناة ذلك الواقع وإسقاطاته على العقل الباطن، الذي لجأ الى صناعة الخيال كوسيلة دفاعية، للهروب إلى الأمام لتغيير هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه البطل السارد (جواد)، والذي كان المحور الرئيسي في صناعة الحدث الروائي وتدويره، والمحرك الرئيسي له وللأبطال الآخرين، على امتداد البناء الهرمي للنص، فقد استعان الروائي بتقنية السارد الضمني لخلق ما يعرف اصطلاحا (وهم الإقناع) أي جعل السارد جزءا من النص لإيهام القارئ بجدية وصحة مايجري داخله، بل ذهب إلى ابعد من ذلك، حين لمح في أكثر من موقع في الرواية إلى إن البطل جواد ماهو إلا الروائي نفسه، وان ما نقرئ ماهي إلا عملية اجتزاء لمشاهد حياتية عاشها الكاتب، ووضعها في قالب سردي روائي، لذلك يمكن اعتبار رماح الملائكة رواية (اتوبيوغرافية) أي تعبيرية، لحضور الروائي فيها بقوة وفعالية. يبدأ النص بعتبة سردية اختلط فيها الواقع بالخيال، عبر رؤى لم تخرج عن حيز الموروث الاجتماعي الشعبي، وتراكماته في العقل الجمعي للمجتمعات الشرقية، حين يتنبأ الإنسان بقرب اجله، ودنو ساعته، وعندما يتحول الأطفال الموتى إلى ملائكة وطيور جميلة.. مدخل سردي صادم وموغل بالحزن والوجع، لطفل مريض يحتضر في أحضان أمه المفجوعة به، يُحدثها عن رؤى يعيشها وهو يطالع نافذة الطائرة التي أقلتهما عائدين من رحلة علاج غير مجدية، ينتهي المشهد بموته بطريقة دراماتيكية، ينتقل بعدها السرد إلى تفاصيل أكثر واقعية يمكن أن تمر بها أي عائلة عراقية في مثل هكذا ظرف صعب وحزين، ثم يكسر الروائي هذه الرتابة، بحادث مأساوي آخر، وهو موت الأم حزنا على فقدها لطفلها .. يقف النص عند هذه العتبة، ثم ينطلق من زاوية جديدة، تمثل محور النص وفلسفته، حين ينتقل عبأ ماجرى إلى جارهم (جواد) الرجل الذي شارف على التقاعد من وظيفته، وحمل شخصية، ساكنة، مرتبطة بثوابت المكان، مسالمة، متدينة، مستسلمة لاقدارها، حاول الروائي أسطرتها وكسر هذا القالب الروتيني لها برؤى خيالية، ومنحها كل هذا الاهتمام والمسؤولية. الطفل مليك الذي توفي في أحضان أمه، يتحول إلى كائن خيالي يشبه الملاك، ويصبح زائرا مواظبا يؤنس ليالي جواد التي تسودها الظلمة والترقب، لغد قد يكون أفضل من سابقه.. فقد تحولت نهارات جواد إلى محطات انتظار مضنية تشوبها المتناقضات ( اليأس والأمل، الحزن والسعادة ) لليل سيتمكن فيه من رؤية مليك الطفل الذي أحبه وتعلق به في حياته.. تسيدت هذه النهارات على الوجه العام للنص وشكلت الجزء الأكبر منه، وعضدت هرميته بتفاصيل تكررت كيوميات عراقي يعيش محنة الفوضى والإرهاب ونقص الخدمات، حتى وصلت حد الإسهاب، واعتقد إن الهدف الذي كمن وراء هذا التكرار، هو لإعطاء صورة كاملة لحالة البطل النفسية والذهنية المأسورة لهذا الواقع، والتي قادته لهذه الرؤى والأحلام.. كما عبر عن ذلك هنري جيمس بقوله (إن مهمتي التي أحاول الاضطلاع بها هي أن أجعلكم ترون).