وصف الكتاب:
الاشتغال على نقد الخطاب الديني، وعلاقته، وتقاطعاته مع حقول معرفية أخرى، فلسفية وثقافية، واجتماعية، وسياسية، في العصر الحديث، ليس بالأمر الجديد، فالإسهامات التي قدمها مفكرون عرب، مثل: محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، جورج طرابيشي، الطيب تيزيني، نصر حامد أبو زيد، على سبيل المثال لا الحصر، أسهمت في إثراء المكتبة العربية في هذا المجال. إلا أنّ صعود الحركات الإسلامية الراديكالية في المنطقة العربية، والتي تزامن صعودها مع بداية الثورات العربية، نهاية العام 2010 ومطلع 2011، كان لها تأثير على مسار بعض الثورات، كما حدث في مصر مع استلام الإخوان المسلمين للسلطة، والجماعات الإسلامية المسلحة، التي تشكّلت أواخر العام 2011 وبداية العام 2012؛ كتنظيم جبهة النصرة، ومن بعده "داعش" في سوريا؛ لذلك بات الدافع لمتابعة الحفر في تاريخ الخطاب الديني، وتفكيكه، ضرورة في هذه المرحلة التي نعيشها؛ لفهم كيف تعمل تلك الجماعات الراديكالية في تطويع الموروث، لأهداف سياسية تقصي وتقتل كلّ مختلف عنها، حتى من المسلمين أنفسهم. يأتي كتاب "صورة الإمام في الخطاب الإسلامي الحديث، الإمام أحمد بن حنبل أنموذجاً"، للباحثة التونسية سعاد التميمي، والصادر عن دار مصر العربية 2019، في هذا السياق من البحث والتأمل، في نقد الخطاب الإسلامي السائد والمُكرس، المكبِّل لحرية التفكير، والانفتاح على متغيّرات العصر الحديث، في الماضي القريب، والحاضر، والمستقبل. ترجعنا التميمي للعصر العباسي، وتحديداً إلى أحداث "المحنة"، وصراع الإمام أحمد بن حنبل مع سابع الخلفاء العبّاسيين، المأمون (170-218هـ)، والذي تولى الخلافة "بعد حرب طاحنة بينه وبين أخيه الأمين (170- 198هـ)، انتهت بانتصار المأمون بمساعدة جيوش الفرس، فتراجع نفوذ العرب وقوتهم، وأعاد المأمون الاعتبار لغير العرب؛ لما وجده منهم من مساندة ولتفوقهم العلمي الذي لم يتوفر آنذاك لدى العرب، وقد خرق المأمون بذلك المألوف واستعان بغير العرب في إدارة خلافته وفي تسيير شؤون الدولة".