وصف الكتاب:
مع أنّ الظلام يستبدّ بالمكان؛ لكنّ يده لم تحاول التماس النور! كأنّ روحه أضحت تأنس لهذا اللون الذي اتخذ أعماقها مأوى! فوق سريره تتهلهل أعضاؤه دونما صِلة، رأسه يكاد يخرق الوسادة من ثِقل ما به من أطياف القنوط واليأس كافة! آآآآه، قد كان يُمنّي نفسه بأنّ الغد سيكون أفضل، بأنّ القادم سيضمّد جراح الماضي ويجتثّ آلامه، بأنّ الدنيا ستقلع عن عادتها الكئيبة معه وتكفُّ عن إفساد مخططاته، بأنّه سيجبر الجميع على عدم اعتراض طريقه بل سيحدّقون إليه إبهارًا بما يصنع! مع أنّه عايشَ الكثير من المواقف التي عانى فيها عدم الاكتراث لجهده وأورثت في نفسه الحسرة؛ لكن لتلك المرّة حسرةً مختلفة، مرارة قارصة، فاقت الحد، كقطرة الماء الزائدة عن حاجة الكوب المُتخم عن آخره فأدّت لإهراقه! في المرّات السّوابق كان يتخذ من كل إخفاقٍ في إعلاء كيانه حافزًا ودافعًا للمثابرة، كان يستشعر دوافع عجيبة بعد كل محاولة لم تكلل بالنجاح تستحثه المواصلة، كان يعتبر مغازلة الأمل له هي الدواء لكل جرح قد يتفتّق بعد كل سقطة، لكن هذه المرة كانت الجرعة زائدة فأدّت لمقتله! ما تزال تفاصيل تلك المقابلة اللعينة التي جمعته بالمسئول -الذي يظنّ نفسه كبيرًا- طازجة بذاكرته؛ منذ أن وطئت قدماه أرضية مكتبه الملساء لم يسترح لوجهه العريض ولا لبطنه الناتئ. واجهه الرجل بمسحة ابتسامة ما لبثت أن تكسّرت على حواف نظّارته. التقط منه آماله وسرعان ما دفنها في أكوام دفاتره. تصنّع التشاغل؛ تارة بمطالعة حاسبه وتارة بتقليب أوراقٍ تزاحمت على سطح مكتبه، ولم ينس هاتفه أن يلتهم ما تبقى من الوقت، ثم انبرى ناصحًا ورضخ أذنه بعبارات لطالما اشتكت منها مسامعه وابتدأها كلها بتلك الكلمة الكريهة.