وصف الكتاب:
إن هدف المجتمعات الانسانية اليوم يتمثل بالسعي لمكافحة الاجرام والحد من اسبابهِ والعوامل المساعدة عليه ومحاولة العودة بالمجرم الذي ارتكبَ جريمتهُ الى الوسط الاجتماعي صالحاً لا يفكر بالجريمة. فبعد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها المجتمعات الانسانية بسبب ظروف الحرب والكوارث الأزمات الاقتصادية التي آلمَّت بالعالم بداية القرن الماضي وما أفرزت من تدخل واسع من مؤسسات الدولة في معظم نواحي الحياة، بشكل أدى الى تزايد المنازعات التي اسهمت في الإسراف في استعمال الجزاء الذي يتسم بالصفة الجنائية ليشمل افعالاً ليست بتلك الخطورة على آمن المجتمع وسلامتهُ، واخلالاً بمبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة، بشكل أدى إلى التوسع في استخدام الدعوى الجزائية، وتزامن ذلك مع طول الإجراءات الجزائية، والتي تؤدي إلى ضياع الأدلة، فالسنوات الطوال التي تفصل بين وقوع الجريمة وتوقيع العقوبة يقود إلى عدم الثقة بالقانون، وتضعف من نفوذهِ وهيبتهِ في نظر المجتمع، فتأخير إيقاع العقوبة يطمر فكرة الردع القانوني، ومع مرور الوقت ينسى الناس أنَّ هناك عقاباً سوف يطبق، مع بقاء الجريمة عالقة في أذهانهم ويزداد الإحساس بأنَّ الجُرمَّ مرَّ من دون عِقاب. حيث سبَّبَّ الإسراف في التجريم وطول الاجراءات إلى كثرة المنازعات التي تفوق قدرة مرفق القضاء على حسمها في وقت معقول، مما ادى إلى التأخير في حسم القضايا وحال دون قيام الجهات المختصة بتنفيذ العقوبة بدورها في تحقيق الإصلاح الاجتماعي المنشود، واسهم كل ذلك بعدم فعالية بعض الاحكام الجزائية، بشكل أدى إلى قصور النظام العقابي الجنائي التقليدي مما أثر في حق التقاضي الذي كفلهُ الدستور، نظراً لبطء اجراءاتهِ، فضلاً عمّا يحتاجهُ اللجوء إلى القضاء من الوقت والجهد والمال، لذلك أضحى الوصول إلى العدالة الجنائية أمراً عسيراً، وغدا القضاء معذوراً إذا لم يحقق العدالة الآمنة أمام الأعداد الهائلة من القضايا، وجعل الوصول للعدالة الناجزة أمرا عسيرا. وأمام هذه المؤشرات الخطيرة الدالة على هذا القصور كان لابدَّ للسياسة الجنائية أن تُعيد النظر في إستراتيجيتها المتبعة في مكافحة الإجرام، وبالفعل بدأت السياسة الجنائية من منتصف القرن الماضي في البحث عن وسائل تُحقق أقصى فاعلية ممكنة في مكافحة الإجرام مع التقليل من فرض العقوبة الجنائية والتركيز على فرض العقوبة التي تؤدي إصلاح المجرم وتأهيلهِ اجتماعياً، وقد حاولت التشريعات وضع آلية مناسبة لتحقيق هذه الاهداف.