وصف الكتاب:
لقد أصبحت موضوعات المسؤولية المدنية تكتسب أهمية بالغة جدًّا جعلتها تستقطب اهتمام رجال الفكر عامة والقانون خاصةً؛ لما لها من أثر في تنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم، بل إن تطور تلك العلاقات والمعاملات الذي عرفته البشرية دفع بالمسؤولية القانونية بنوعيها الجنائي والمدني إلى أن تحتل مركز الصدارة في القانون. ولعل السر في ذلك هو أن مناط وجود الإنسان على هذه الأرض أصلاً هو المسؤولية، كما قال في شأنه الخالق -سبحانه جل في علاه- في محكم التنزيل: ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ(() سورة الأحزاب، الآية :72.)، وهي الأمانة التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال وحملها الإنسان الذي وصفه ربه بأنه كان ظلومًا جهولاً. كما كان لتلك الصدارة التي حظيت بها المسؤولية القانونية أثرها في استقطاب اهتمام رجال القانون وفقهائه الذين حاولوا - ولا يزالون- تشريح كل جزئية فيها حسب ما يثيره الواقع العلمي من إشكالات وتطورات. فالمحاماة، في أهدافها، رسالة تتمثل في تحقيق العدالة، بإبداء النصح والإرشاد، والرأي القانوني والدفاع عن الحقوق؛ فهي مهنة حرة يقوم بأعبائها إنسان حصل على ما يفرضه القانون من مؤهل جامعي وإجازة لممارسة المهنة. فهو رجل القانون المحترف الذي يتولى الدفاع عن موكليه ورعاية مصالحهم وشؤونهم القانونية، وهو من يمثلهم أمام القضاء، فيحل محلهم في تحريك الدعوى القضائية ومتابعتها، والدفاع عنهم وعن حقوقهم أمام المحاكم والمجالس القضائية. وحق إبداء الرأي والمشورة والدفاع عن الموكل هي حقوق محصورة فيه دون غيره، ولا يمكن لغيره القيام بها. وقد اهتمت جميع الدول بتنظيم مهنة المحاماة، نظير الدور الذي تلعبه في تحقيق العدالة والتأثير البالغ الذي أنيط بها في مسرح الحياة القضائية؛ فهدف المحاماة هو الدفاع عن حريات الأفراد، ومساعدتهم على بلوغ حقوقهم، وكذلك مساعدة القضاء على الوصول إلى الحقيقة؛ ذلك لأن المحامي والقاضي هما جناحا العدالة في تأكيد سيادة القانون، وهما حارسا العدل؛ يذودان عنه من كل عبث ومن كل شطط ينحرف به عن قصد إحقاق الحق وإعلاء رايته. إن مهنة المحاماة - بوصفها مفهومًا حديثًا- لم يتبلور معناها إلا في نهاية القرن التاسع عشر. وأما وظيفتها فقديمة قِدَم العدالة؛ فقد وجد عبر الحضارات القديمة أشخاص موهوبون يمتازون بالبلاغة والإقناع، ضالعون في مبدأ العدل والإنصاف، ومهرة في إثبات الحجة على قيام الواقعة أو نفيها، فامتهن هؤلاء إرشاد من تعوزهم الحاجة، ودافعوا عنهم كلما التمسوا منهم ذلك. والمحامي - باعتباره إنسانًا- ليس معصومًا من الخطأ؛ فإن كانت القواعد العامة تقتضي مساءلته عن أخطائه العادية أسوةً بغيره من الناس، يساءل عما قد يرتكبه من أخطاء في معرض ممارسته مهنته؛ فالضرر الذي يصيب الموكل من جراء خطأ ارتكبه المحامي يتطلب أن نبحث عن أفضل السبل وأقصرها لتعويضه عنه. وهنا ينهض دور المسؤولية المدنية. ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يحيط بكل شيء علمًا -فلكل صاحب اختصاص أو مهنة عمله وعلمه- فإنه يصبح بحاجة ماسة إلى من يرشده إلى سواء السبيل؛ فالمتخصص بعمله تلجأ إليه الناس لطلب الاستشارة في مجال تخصصه، والاستشاري يملك بدوره الخبرة الفنية والقانونية في تخصصه.