وصف الكتاب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن أتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد... هناك مبدآن رئيسيان تسلكهما عادة أنظمة الحكم في مجال كيفية تنظيم ممارسة المظاهر المختلفة للسلطة في الدولة، وهما مبدأ تركيز السلطات ومبدأ الفصل بين السلطات. وإذا كان مبدأ تركيز السلطات يعني تركيز سلطات الدولة المختلفة في يد فرد واحد أو هيئة واحدة، فقد أدى ذلك إلى الاستبداد والتعسف وإلى إهدار حقوق الأفراد وحرياتهم، وقد تبنت معظم الدول التي يسود فيها نظام الحزب الواحد هذا المبدأ، ولقد كان لانتشار المبادئ الديمقراطية الداعية لحماية الحقوق والحريات الفردية من استبداد السلطة، بالإضافة لتشعب وظائف الدولة وتعقدها أثرهما المهم في ظهور مبدأ الفصل بين السلطات، ليس فقط بهدف توزيع وتقسيم تلك الوظائف على هيئات متعددة في الدولة، وإنما أيضاً لبيان وتنظيم العلاقة بين هذه الهيئات. وإن مبدأ الفصل بين السلطات يعني توزيع وظائف الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) على هيئات ثلاث تتولى كل منها وظيفتها المحددة بشكل مستقل عن السلطتين الآخريين، وكقاعدة عامة فإن هذا المبدأ لا يعني بالضرورة الفصل الجامد بين السلطات، وإنما التعاون والرقابة بين هذه السلطات، وهذا ما نجده بشكل إيجابي وبصورة أكثر نظرية وعملية في النظام البرلماني. كذلك فإن وجود دستور دائم يرتكز على المبادئ الديمقراطية يعد أحد أهم مرتكزات النظام الديمقراطي، فلا وجود لمثل هذا النظام دون وجود مثل هذا الدستور الذي يرتكز على تلك المبادئ، ويعد مبدأ الفصل بين السلطات من هذه المبادئ الأساسية. ويمثل هذا المبدأ ضمانة كبيرة وأساسية لقيام الدولة القانونية وضمان مراعاة المساواة بين الأفراد واحترام حقوقهم وحرياتهم، ويعد أيضاً من أهم ضمانات حقوق الإنسان لأنه يترتب عليه قيام الدولة القانونية التي تتميز بتخصيص جهة مستقلة لكل من سلطة تنفيذ القانون أو المشرعة له أو للقضاء مما يضمن حسن سير مصالح الدولة وحماية حقوق الإنسان ومنع التعسف أو التجاوز في السلطة وغالباً ما يتم توزيع هذه السلطات بنصوص دستورية واضحة.