وصف الكتاب:
إن الكلام في موضوع خضوع العقد الدولي لقاعدة (قانون الإرادة) من المواضيع التي سال معها المداد غزيراً، وما يزال الحديث عنها بوصفه موضوعاً متشعباً ولم تجف بشأنه الصحف، ولم ترفع عنه الأقلام. بل ان كثيراً من جوانبه لمّا تزل بعد (معلقة) تحتاج إلى إجلاء وتصفية، وبعد فان مقتضيات البحث العلمي لهذا الموضوع تلزمنا تناول الأمور الآتية: أولاً: أهمية البحث تُعد مسالة تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي من أهم المسائل القانونية التي تثيرها دراسة هذه العقود، لأن تحديد قانون معين يقوم بتنظيم وحكم العقد ليس مجرد تفضيل أو ترجيح قانون على آخر على نحو نظري دون ان يأخذ بحسبان النتائج المترتبة على هذا التحديد، بل ان هناك جدوى عملية للدراسة هذه تكشف عن ان تحديد القانون الواجب التطبيق يرتب نتائج وآثاراً قانونية غاية في الأهمية على مجمل العملية العقدية، إذ يشكل القانون المطبق على العقد الأساس الذي يجري في نطاقه تقدير مدى صحة العقد من ناحية، والذي ترتكز عليه حقوق والتزامات أطرافه من ناحية أخرى. ونظراً لأهمية موضوع تنازع القوانين في العقود الدولية بين رجال الأعمال والأطراف الأجنبية التي يتم التعاقد معها والذين امتدت دائرة معاملاتهم إلى خارج الحدود وازداد الامتداد والتوسع في ظل التقدم التقني الهائل في وسائل النقل والاتصال في عالمنا المعاصر, إذ أصبح إبرام العقود يتم عبر هذه الوسائل الحديثة لاسيما من خلال شبكة الاتصال الدولية (الانترنت)، لذلك تبقى دراسة تنازع القوانين في العقود الدولية من أهم موضوعات البحث التي أثارت وتثير جدلاً وخلافاً في نطاق الدراسات الفقهية والتشريعية والقضائية المتعلقة بها، نظراً للتطور والتنوع الكبيرين اللذين أصابا أنماط هذه العقود، واللذين أديا إلى ان أصبحت غالبية التشريعات الوطنية عاجزة عن مجاراة هذا التطور بقواعد ونصوص تعالجها إذ لم تعد هناك قيود تقف أمام تطورها الذي يلاحق التطور العلمي والتكنولوجي ويقتفي أثره. وتأتي أهمية هذه الدراسة أيضاً مما تثيره من مشاكل قانونية وفنية بالغة الدقة والتعقيد، وعدم التوازن القانوني والاقتصادي لأطرافها، وتعدد المناهج التقليدية والحديثة التي حاولت معالجتها. ثانيا: إشكالية البحث ان موضوع هذه الدراسة قائم على محور أساسي هام وهو مدى حرية أطراف العقد الدولي في تحديد القانون الواجب التطبيق في العقد الدولي، فهل تكون إرادة المتعاقدين حرة في اختيارها لقانون العقد أم هل ان هناك معايير تحدد من تلك الإرادة وجعلها تتجه إلى اختيار قانون محدد بذاته ليحسم مشكلة التنازع القائم بين أطراف العقد الدولي؟ ثم ما هو القانون الواجب التطبيق في غياب اتفاق الأطراف؟ وهل وفق المشرع العراقي في تطبيق قانون الموطن المشترك للمتعاقدين أو قانون بلد الإبرام في غياب ذلك الاتفاق؟ وقبل هذا وذاك، إذا كانت الإرادة قد لعبت دوراً جوهرياً في الالتزامات التعاقدية خلال القرن التاسع عشر، فهل تطور دورها أكثر أم هل تراجع في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين؟ وهل اختلف تبعاً لذلك مفهوم العقد الدولي لاختلاف بعض المفاهيم في القانون الدولي الخاص؟ هل يتمتع العقد الدولي اليوم بالمفهوم ذاته الذي عرفه منذ قرنين وأكثر؟ ولعل موضوع الدراسة هذا يحاول الإجابة على عدد من هذه الأسئلة لتأتي الإجابة متناثرة في جوانب البحث المختلفة. ثالثا: منهجية البحث انتهجت الدراسة أسلوب البحث القانوني التحليلي المقارن. إذ تناولت بالتحليل عدداً من التفاصيل المتعلقة بالدراسة من خلال عرض الآراء الفقهية وتحليلها وبيان اتجاهاتها ومناقشتها وترجيح الآراء السديدة منها وتعزيزها بالتطبيقات القضائية ان وجدت. فضلاً عن عرض النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع والتعليق عليها. وقد اعتمدت الدراسة أيضاً على الأسلوب المقارن من خلال بيان موقف المشرع العراقي إذ تعددت نقاط البحث التي لم ينظمها المشرع العراقي وربما نصت عليها قوانين أخرى مما يستدعي الاستئناس بأحكام بعض القوانين العربية والأجنبية التي ربما تعرضت لموضوع البحث بتفصيل أكثر من غيرها. فضلاً عن بيان موقف الاتفاقيات الدولية وما استجد من نظريات حديثة في هذا المجال. ونظراً لتشعب موضوع العقود الدولية واتساعه في نطاق القانون الدولي الخاص، توجهت الدراسة إلى بيان مدى حرية الإرادة ومحدداتها في إبرام العقد الدولي. لتكون امتداداً لما سبقته من دراسات قانونية، وحلقة مكملة لتلك الدراسات وربما يضيف إليها المهتمون بهذا الأمر دراسات مستقبلية لتغطي هذا الجانب أو ذاك من جوانب العقد الدولي. ويخرج من نطاق هذه الدراسة العقود التي تبرمها الدولة مع الأشخاص الخاصة الأجنبية، لأنها تشكل دراسة مستقلة قائمة بذاتها. رابعاً: خطة البحث تم تقسيم الدراسة إلى مبحث تمهيدي وثلاث فصول. ناقش المبحث التمهيدي نشأة قاعدة قانون الإرادة وتطورها في نطاق العقد الدولي. وقد جرى تخصيص الفصل الأول لدراسة دور قاعدة قانون الإرادة في نشؤ العقد الدولي وقد قُسّم إلى ثلاثة مباحث. تناول الأول: مفهوم قاعدة قانون الإرادة، والثاني: طبيعة قاعدة قانون الإرادة وشرط إعمالها، والثالث: آليات إعمال قانون الإرادة. أما الفصل الثاني فقد تناول النظرية الشخصية ومعاييرها المحددة للإرادة وقد قسمنا هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، تناولنا في الأول: مفهوم النظرية الشخصية والنتائج المترتبة على تطبيقها، وتناولنا في الثاني: معايير النظرية الشخصية، ثم تناولنا في الثالث: موقف الفقه والقضاء من النظرية الشخصية. أما الفصل الثالث فقد خُصص لدراسة النظرية الموضوعية ومعاييرها المحددة للإرادة وقُسّم إلى مباحث ثلاثة، تناولنا في المبحث الأول: مفهوم النظرية الموضوعية والنتائج المترتبة على تطبيقها، وتناول الثاني: معايير النظرية الموضوعية، ثم خُصص المبحث الثالث: لبيان الاتجاهات الحديثة لمعايير النظرية الموضوعية وموقف المشرع العراقي من النظريتين الشخصية والموضوعية. ثم جاءت بعد ذلك خاتمة تتضمن أهم النتائج والتوصيات التي سنتوصل إليها من خلال البحث.