وصف الكتاب:
يمارس القانون الدولي العديد من الوظائف التي تهم المجتمع الدولي، ومن بين ابرز وظائفه تنظيم العلاقات الاقتصادية بين الدول، وذلك بوضع القواعد القانونية التي تحكم تلك العلاقات باعتبارها تمثل جانباً مهما وأساسيا في التنظيم الدولي . ويهدف القانون الدولي، مثلما هو الحال عليه في بقية القوانين، إلى تحقيق غايات متعددة من وراء وضع القواعد القانونية، ومن بين أهم تلك الغايات هو تحقيق التنمية الاقتصادية. وعليه فأنه يكون سعي الدول لتحقيق أهدافها الاقتصادية، على المستوى الدولي، من منظور مصلحتها الخاصة التي تضعها في المقدمة وتمنحها الأولوية، مما يفتح الباب واسعاً لتعارض المصالح بشكل واضح، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إن العلاقات الاقتصادية يكون محورها تحقيق المكاسب . إن المراجعة التاريخية لعلاقة الدول الاستعمارية مع الدول المُستَعمَرة، نجد فيها علاقة تقوم من الناحية الاقتصادية على استغلال ونهب ثرواتها، واستمرت هذه العلاقة بذات الطبيعة حتى بعد أن نالت الدول استقلالها، ولكنها اتخذت صيغة اتفاقية في ظاهرها، مما جعل العلاقات بين الدول من هذه الناحية تتحكم بها اعتبارات القوة السياسية والعسكرية وتفاوت القوة الاقتصادية، وهو ما يشير إلى اختلال حقيقي في موازين العلاقات الاقتصادية بين الدول، لذلك فإن التعارض بين مصالح الدول المختلفة، يُوجد نوعاً من عدم التوازن في تحقيق تلك المصالح، فالدول القوية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، تكون في وضع أفضل لتحقيق مصالحها الاقتصادية من الدول الأخرى . هذه الحقائق الثابتة في العلاقات الدولية ترتب عليها العديد من الآثار السلبية في المجتمع الدولي تمثلت في استغلال ثروات الشعوب ومقدراتها لفترات طويلة، وماترافق معها من انتهاك لسيادة العديد من الدول وأعقبها قيام العديد من الحروب والثورات راح ضحيتها الملايين من البشر . إن هذه الآثار المترتبة عن المصالح الاقتصادية وتعارضها أوجبت على المجتمع الدولي أن يضع نظاماً قانونياً لها، وان اتخذ هذا النظام في فترة زمنية جانب التعبير عن إرادة الدول الاستعمارية القوية وما يحقق مصالحها، إلا انه تغير كثيراً، وأصبح يمثل تعبيراً عن إرادة عدد كبير من الدول، بما فيها الدول التي نالت استقلالها عن الدول الاستعمارية والتي باتت تشكل جزءً أساسيا في التأثير في النظام القانوني الدولي .