وصف الكتاب:
لقد مرت تجارب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتحديات مختلفة وبمشكلات وأزمات متباينة، وكانت من بين أكثر المشكلات خطورة في الواقع الدولي المعاصر تفشي ظاهرة الفساد، وتزايد مخاطره على شتى ميادين الحياة الإنسانية إلى الحد الذي لم يعد بإمكان الدول التي تبحث عن وسائل فاعلة ومؤثرة للارتقاء بالواقع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي في مجتمعاتها، دون أن تنجح في التخلص من آفة الفساد ومخاطره وتبعاته، وغدت جهود الأمم المتحدة تتزايد بشكل كبير من اجل صياغة وثائق دولية ملزمة تتصدى لتحديات الفساد وتعالج أثاره ومخاطره في إطار قانوني مناسب يلبي تطلعات الدول الراغبة في إنهاء معالم الخطر المتزايد جراء تفشي هذه الظاهرة، حتى بدت الدول تتحدث بشكل واضح عن الربط المنطقي بين الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وبين الفساد وانهيار المؤسسات القانونية، وبينه وبين ظهور أنظمة دكتاتورية ودول لا تحترم ابسط معطيات الدولة القانونية. وبالعودة إلى الصك الدولي الأبرز في مجال مساعي الأمم المتحدة لإيجاد تنظيم قانوني دولي مناسب يحد من مخاطر الفساد ونعني به هنا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي أقرت في أعقاب عدد من الاتفاقيات الدولية المماثلة التي تم اعتمادها تحت رعاية مختلف المنظمات الدولية ، فكانت هناك وثائق دولية أخرى مهمة تبنتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجلس أوروبا، ومنظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك فأن هذه الاتفاقية هي أول صك عالمي حقيقي لمكافحة الفساد وهي وثيقة شاملة في إطار معالجة أسبابه. وهي فريدة من نوعها ليس فقط في تغطيتها لجميع أنحاء العالم، بل أيضا في اتساعها وتفاصيل أحكامها التي تعتبر ذات أهمية خاصة بالنسبة للبلدان التي لا تغطيها الاتفاقيات الإقليمية. هذه الاتفاقية التي تم فتح باب التوقيع عليها في كانون الأول/ 2003، ودخلت حيز التنفيذ في كانون الأول/ من عام 2005، تضم حاليا أكثر من 145 دولة. إلا أن التنفيذ الفعال والمتماسك لها يعتمد إلى حد كبير على التزام عدد كبير من الجهات الفاعلة في الدول الأطراف فيها بإتباع الآليات التي رسمتها تلك الاتفاقية. وقد أوجدت هذه الاتفاقية -من خلال المحطات الأساسية التي مرت عليها نصوصها في موضوع مكافحة الفساد والحد من مخاطره- آلية للتنفيذ الفاعل لأحكامها في إطار النظم القانونية الوطنية وألزمت الدول بعبارات واضحة وصريحة بإتباع الإجراءات المناسبة للقضاء على هذه الظاهرة، إلا أنها اوجد في الوقت ذاته آليات للتعاون الدولي يتم من خلالها توحيد الجهود الدولية للدول الأطراف فيها من اجل ضمان التطبيق السليم والفعال لها، من هنا جاءت المواد التي تضمنها الفصل الرابع من الاتفاقية وبالتحديد المواد من 43-49 مكرسة لتعزيز التعاون الدولي. واخذ هذا الفصل يؤكد على انه يتعين على الدول الأطراف، حيثما كان ذلك مناسبا ومتسقا مع نظامها القانوني الداخلي مساعدة بعضها البعض في التحقيقات والإجراءات الخاصة بالمسائل المدنية والإدارية ذات الصلة بالفساد. وإن الأطراف ملزمة بتقديم أشكال محددة من المساعدة القانونية المتبادلة في مجال جمع ونقل الأدلة لاستخدامها في المحكمة، وتسليم المجرمين ونقل الأشخاص المحكوم عليهم. كما يطلب أيضا من الدول الأطراف اتخاذ تدابير من شأنها أن تدعم حجز ومصادرة العائدات المتأتية من الفساد.