وصف الكتاب:
من المسلم به ان لأشخاص القانون الدولي العام كافة الحق في ابرام ما يشاءون من اتفاقات في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها من خلال المعاهدات الدولية، التي تكون لها قوة القانون فيما بين الاطراف المتعاقدة، كونها تحضى باحترام اطرافها رعايةً للمصالح المشتركة فيما بينهم، حيث تكون مصدراً للحقوق والألتزامات فيما يتعلق بالعلاقات القائمة بين اطرافها، وقد تحولت المعاهدات الى اهم مصادر القانون الدولي العام، الى جانب العرف الدولي، حيث يشكلان المصدرين الرئيسيين لاحكام هذا القانون، فالدولة في سعيها لمباشرة اختصاصاتها في النطاق الدولي تستطيع اللجؤ مباشرة الى المعاهدات الدولية الثنائية او الجماعية من خلال الاشتراك مع دول او اشخاص القانون الدولي الاخرى، لأنشاء الالتزامات المتبادلة او وضع القواعد القانونية المتفق عليها، بينما نجدها الي الدولة تنفرد في نطاقها الداخلي بوضعها للقواعد القانونية التي تلزم الأفراد المخاطبون بها. والحقيقة التي لا يمكن انكارها ما للمعاهدات والأتفاقيات الدولية من اهمية متعاظمة كمصدر رئيسي للقانون الدولي العام المعاصر، تنظم التعاون والتواصل بين اعضاء المجتمع الدولي على مختلف الصعد، وكذلك تعديها الى نطاق تنظيم جوانب من موضوعات القانون الداخلي، التي تمس بشكل او بآخر الحقوق والحريات الخاصة بالافراد ، والتي تجد لها اقراراً وحماية في دساتير الدول حيث صارت الحقوق والالتزامات التي تقررها في تماس مباشر لاشخاص القانون الداخلي للدول ، مع احتمالية تباين التنظيم الذي تضعه المعاهدات مع ما موجود او منظم داخلياً مما يحتاج الى ترجيح او تفضيل لاحدهما على الاخر من خلال انفاذ المعاهدات الدولية داخل المنظومة القانونية للدولة ، وتحديد مكانتها ضمن القواعد القانونية المختلفة داخلها. ذلك لان النظم القانونية للدول تقوم على مبدأ سمو الدساتير على سائر الاعمال التشريعية، من خلال الاعتراف بوجود اختلاف في طبيعة ومكانة القواعد الدستورية الموجودة داخل الوثيقة الدستورية او خارجها مع القاعد التشريعية الادنى درجة سواء كانت عادية او فرعية ، حيث يتطلب توافق القواعد الدنيا على ما يعلوها شكلاً ومضموناً ، مما تطلب ايجاد وسيلة لضمان احترام هذا الاختلاف تمثل في اقرار الرقابة على الدستورية كضامن لسمو الدستور وعلويته. من هنا جاء اعتراف الدول المختلفة ومنها العراق بالرقابة على الدستورية لضمان سيادة الدستور على القواعد القانونية الاخرى، ولكون المعاهدات اصبحت جزءاً من المنظومة القانونية للعراق والدول المختلفة، مما يحتاج الى بيان مكانتها من الدستور وباقي القواعد القانونية، وفيما اذا كانت محصنة من الرقابة على دستوريتها ام انها تخضع للرقابة شأنها شأن القوانين العادية ام بخصوصية تتعلق بذاتيتها، حيث نجد اعترفت العديد من الدول صراحة على خضوع المعاهدات الى الرقابة على دستوريتها، بينما جاء دستور جمهورية العراق لعام 2005 خالياً من النص الصريح على هذه الرقابة عند تنظيمه لدور المحكمة الاتحادية العليا في ضمان علوية نصوصه. ان الرقابة على دستورية المعاهدات تمثل مبحث اساسي يتفرع عن موضوع تقليدي هو العلاقة بين القانون الدولي وبالخصوص قواعده الاتفاقية و قواعد القانون الداخلي (الوطني) للدول الاعضاء في المجتمع الدولي، واذا كان بحث المسألة قد استفيض من قبل فقهاء القانون الدولي العام ، فان بحثها من وجهة نظر القانون العام بحاجة الى تفصيل يوضح الاثار المترتبة على صيرورة المعاهدة الدولية قاعدة قانونية داخلية خاضعة للموائمة مع ما موجود في الدستور من احكام .