وصف الكتاب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الكريم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد : فإنَّ انضباط الموظف العام , أصبح من الأمور الضرورية في مجال الوظيفة العامة؛ لكونه وسيلة مهمة لمنع تهاون الموظف في أداء أعماله، ووضع حدٍ للأخطاء المرتكبة من قبله, والهدف من ذلك كله هو كفالة حسن سير الإدارة وأعمال المرافق العامة بانتظام واطراد, لكنه مع ذلك, لا يعني اطلاق جميع السلطات الإدارية في توقيع العقوبة الانضباطية دونما حدود، وإنما هي محاطة بضمانات عدة , تاتي على رأسها الرقابة القضائية , التي تعد الرقيب الذي يسهر على المحافظة على الحدود المقررة لتلك العقوبات, والتي تعدّ من بين أهم الضمانات القوية والفعالة في تكريس دولة القانون, والمحافظة على حقوق الموظف العام في نطاق المشروعية, فتلغي القرار الصادر خلافا للقانون , كلما وجدت أنها مخالفة لمبدأ المشروعية أو لمقتضيات الملائمة. ومع تزايد مظاهر السلطة التقديرية للإدارة- والناجمة عن تخلي المشرع، أو عجزه عن تقييد سلطة الإدارة عند اتخاذها قراراتها الإدارية- ولأجل مواجهة تعسف الإدارة في استخدام تلك السلطات الواسعة تحت ستار تطبيق مبدأ المشروعية , طورَّ القضاء الإداري أساليب رقابته على السلطة التقديرية لسلطة الانضباط , حيث بلغت حد البحث في ملاءمة القرار الانضباطي للتأكد من مشروعيته، فبعدما كان تقدير أهمية وخطورة الخطأ والتناسب بينه وبين ما يقابله من العقوبة ضمن أطلاقات الإدارة التي لا يمكن الرقابة عليها أصبحت السلطة الانضباطية طبقا لمبدأ المشروعية مطالبة بإقامة ذلك التناسب تحت رقابة القاضي الإداري. لذا باشر القضاء الإداري سلطته في الرقابة على مختلف أوجه النشاط الإداري بغية تحقيق التوازن بين مقتضيات المصلحة العامة وحماية حقوق وحريات الأفراد من عسف الإدارة وتجاوزاتها غير المشروعة معلنا إن سلطته في فحص مشروعية القرارات الإدارية لا تقتصر على سلطة المحكمة في الجانب القانوني وإنما تمتد إلى الوقائع بالقدر الذي يستلزمه القانون.