وصف الكتاب:
تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية ومتجذرة منها إذ من الصعوبة القضاء عليها بشكل نهائي، إلَّا أنَّه يمكن مكافحتها وهذه من أولويات جميع التشريعات الجنائية في العالم، ضبط المجرمين وتوقيع العقاب عليهم وإعادة إدماجهم في المجتمع. إن ضبط المجرمين وتقديمهم إلى القضاء، وذلك من خلال التحقيق الجنائي التي يبدأ أولا بالبحث عنهم وعن الأدلة ضدهم والذي يهدف إلى حل الألغاز المحيطة بجريمة ما، وان التطور العلمي قد ساعد المحققون كثيرا في شتى المجالات، ما مكنهم من إيجاد طرق إثبات قادرة على الوصول إلى الحقيقة مهما حاول المجرمون إخفاءها وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى الوصول إلى العدالة التي تعتبر غاية الغايات. عليه يلاحظ أن تطبيق العلوم المختصة والمعرفة العلمية في حل القضايا الجنائية والاعتماد عليها في كشف الجرائم, هو أحد السبل المهمة في محاصرة الجريمة والتضييق عليها وخدمة العدالة، وعلى الرغم من تعدد الجرائم فإن تلك التي تستهدف النفس البشرية تبقى هي الأبشع، ولحل المسائل الجنائية المتعلقة بهذه الجرائم فإن العلوم القانونية تلتقي بالعلوم الطبية والبيولوجية مولّدة ما يسمى بالطب العدلي. قد فرض التطور العلمي تطور العديد من العلوم والاختصاصات الطبية التي تساعد على مكافحة السلوك الإجرامي والوصول إلى الدليل في مجالات الإثبات الجنائي، فظهر اختصاص طبي مستقل اطلق عليه اسم "الطب العدلي" وأصبح من أهم الوسائل العلمية الحديثة التي يستند عليها القاضي للبحث عن الدليل الجنائي، لاسيما بالنسبة للمسائل الفنية البحتة التي لا تدركها معارفه. لاشك أن مجال الطب العدلي من المجالات الطبية المتخصصة، وأن مقتضيات العمل في هذا المجال ليست متعلقة بالطب العدلي المتخصص فحسب بل بالعاملين في الحقل الجنائي مثل ضباط الشرطة القضائية والمحقق الجنائي، ليكونوا على درجة من الإلمام بأساسيات ومبادئ علم الطب العدلي والأدلة، والمعرفة بها تكيفهم لأن يتعرفوا على المشاكل والقضايا الطبية العدلية التي تقابلهم أثناء ممارسة عملهم في التحري والتحقيقات الجنائية، وحتى يكونوا قادرين على التصرف السليم واتخاذ جميع الإجراءات الأمنية والفنية ومعرفة دور كل منهم في التحقيقات الجنائية، وهذا ما يساعدهم من عدم التداخل والتعارض في الأدوار عند التعامل مع القضايا المختلفة وتجنب بعض العراقيل التي تحدث من تدخل البعض من غير ذوي الاختصاص في عمل الآخرين. كما يعد الطب العدلي علماً واسعاً ومتشعب الفروع والمجالات؛ لأنه يلم بكل ما يتعلق بجسم الإنسان وعقله، ولهذا فإن مواضيع الطب العدلي كثيرة كثرة التعقيد الموجود في الإنسان، وهذا ما تتطلبها التحقيقات الجنائية، وذلك بالبحث عن حقائق الأفعال الإجرامية، وهذا ما يبين أوجه الانسجام والتناسق بين أعمال الطبيب العدلي وأعمال رجال القانون، الذي يلزم من الأخير معرفة أسس وقواعد هذا العلم. وقد تطور هذا العلم بشكل كبير بسبب تطور التشريعات القانونية الطبية والجزائية, بحيث أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقضاء؛ لأن الطبيب العدلي هو الذي يزيل الغموض الذي يعترض القاضي ويجيب عن جميع ما يدور في ذهن المختصين بالبحث والتنقيب عن الدليل الجنائي من تساؤلات مهمة من خلال إعداده لتقرير في هذا الشأن بمقتضى أمر بالندب، لذلك يتعين على القاضي المعرفة التامة بأسس ومبادئ هذا العلم بل وبالعديد من العلوم التي تساهم في تقديم الدلائل والبراهين ومساعدة القاضي الجنائي في تكوين قناعته من أجل الوصول إلى الحكم الصائب، وإحساساً منا بأهمية الطب العدلي بالنسبة للقاضي, وأهمية الأعمال التي يقوم بها الطبيب العدلي في الكشف عن الحقيقة ارتأينا أن نتناول بالدراسة هذا الموضوع ألا وهو (الوجيز في قانون الطب العدلي العراقي (دراسة تحليلية مقارنة في ضوء قانون رقم (37) لسنة 2013 والتعليمات النافذة).