وصف الكتاب:
خلق الله الناس وأعطى لكل واحد منهم نصيب من العلم - ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يحيط بكل شيء علمًا - ولا يستطيع العيش بمعزل عن باقي البشر فهو بحاجة لغيره في معيشته وفي تيسير أموره، فأنه بحاجة إلى من يرشده إلى سواء السبيل؛ فالمتخصص بعلمه تلجأ إليه الناس لطلب الاستشارة في مجال تخصصه، والاستشاري يملك بدوره الخبرة الفنية والقانونية في تخصصه. وتعدُّ المشورة القانونية من أهم العمليات الحيوية في مجال المهن الحرة؛ ذلك لأنها تساعد الأفراد على الاستعانة بآراء أهل الخبرة والاستفادة من رأي ومهارة أصحاب المعرفة. فإذا كان التقاضي ضرورة لا غنى عنها لأفراد المجتمع، فإن العلم بأصول التقاضي ليس متاحًا لكل فرد يريد أن يدخل باب القضاء؛ لذا فإن الأمر يقتضي الاستعانة وطلب الرأي من المختصين في علم القانون لمعرفة تلك الأصول( )؛ فإذا كان التقاضي محصورًا بحدود الدولة، ومرتبطًا بسيادتها( )، فإن مجال المشورة القانونية أصبح لا يعرف حدودًا معينة؛ حيث أصبح لهذا المجال شركات عالمية متخصصة بمجال المحاماة، تؤدي خدمات استشارية على مستوى دولي، وأصبح التخصص سمة من سمات العصر، وهو ما نتمناه لبلداننا العربية لتصبح المحاماة ذات طابع تخصصي، ومنها مجال المشورة القانونية. ومن ثم فإن المشورة - من حيث كونها نشاطًا مهنيًا - تتخذ أهمية كبرى، فأصبحت لها أشخاصها من المهنيين، ومكاتب متخصصة لمن يطلبها في القانون. فالمشورة القانونية - بوصفها التزامًا من التزامات المحامي- حصرها القانونين العراقي والمصري( )، وغيرها من قوانين الدول في المحامي دون غيره لكونه المتخصص بهذا المجال. فهي التزام تبعي من التزامات المحامي؛ إذا جاءت ضمن التزامات أخرى؛ منها إقامة الدعوى ومتابعتها إلى أخر مراحلها؛ فهي التزام تابع لالتزام أصلي. أما إذا نشأت هذه المشورة عن عقد مشورة متخصص، فأنها تعد التزامًا أصليًا؛ لأن العقد أصبح منصبًا على إبداء الرأي والمشورة فقط. ومما لاشك فيه أن الخطأ المهني- وفقًا للأنظمة الحالية المتعلقة بمهنة المحاماه - يشكل الأساس القانوني لكثير من المهن الحرة، كالطب والهندسة وغيرها، ومن ثم، فالمشورة القانونية - باعتبارها عملاً صادرًا عن المحامي - تشكل صميم أعمال مهنة المحاماة وما يترتب على ذلك من مسؤولية مهنية. فحق المحامي في إبداء الرأي والمشورة القانونية، أكدته القوانين والدساتير في العالم، فمن حق المحامي إعطاء المشورة القانونية لموكله دونما أن يتعرض لأي تأثير أو قيد أو ضغط أو تدخل في شؤونه. وفي المقابل يتمتع كل شخص بحق طلب المشورة القانونية والاستعانة بمحام للدفاع عنه. وهذا الأمر من المبادئ الأساسية التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن حول دور المحامين؛ حيث ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن " لكل شخص الحق في طلب المساعدة، والاستعانة بالمحامين، والحصول على الخدمات القانونية، بما فيها المشورة القانونية". وقد لا يكون الموكل على حق، فلا تكون هناك مؤشرات قانونية تدعم الحق الذي يدعيه؛ لذلك فإن مهنة المحاماة تجعل المحامي إنسانًا نبيلاً بلا مال، رفيعًا دون الحاجة إلى لقب ، لاسيما أن قواعد المهنة تفرض عليه التزامات أدبية بأن ينتهج النهج الأخلاقي النابع من إيمان حقيقي بدور المحاماة وأهميتها؛ فعلى المحامي أن يدرك أنه يمارس مهنة عنوانها الشرف وقوامها القيم والأخلاق؛ لأن من واجبات المحامي التمتع بالأخلاق الحسنة والعلم والثقة بالنفس والأمانة والإخلاص تجاه عملائه. وإذا كان المشرع العربي - وفي ظل الأنظمة والقوانين الخاصة بمهنة المحاماة - لم يعالج بدقة أحكام المشورة القانونية، فأن القصور في التشريع يجعل المشكلة قائمة؛ بسبب عدم تصدي المشرع في هذه الأنظمة لإدراج أحكام خاصة بها. لذا سنحاول في هذا الكتاب إبراز علاقة المسؤولية المدنية بموضوع المشورة القانونية، وبمهنة المحاماة بشكل عام، وبيان مدى التزام المحامي بإعطاء المشورة القانونية وما هو مصدر هذا الالتزام، والأساس القانوني الذي يستند إليه، وكيف يتجلى الخطأ في المشورة القانونية؟ وإذا لحق العميل ضرر من جراء المشورة الخاطئة ... ماذا يترتب عليه من آثار؟ وما نوع المسؤولية المدنية للمحامي عنها؟ وهل المسؤولية المدنية كافية لحماية العميل؟ وما هي الحلول الواجبة لها. وهذا ما سنتناوله في أربعة فصول وعلى النحو الآتي: - الفصل الأول: ماهية المشورة القانونية كالتزام من التزامات المحامي. - الفصل الثاني: الطبيعة القانونية لمسؤولية المحامي عن المشورة القانونية. - الفصل الثالث: آثار المسؤولية المدنية للمحامي عن المشورة القانونية. - الفصل الرابع: التأمين من المسؤولية المدنية للمحامي وتطبيقاته.